Institute Egyptien
بقلم/ماجد كامل
لقد كان مجيء الحملة الفرنسية علي مصر عام 1798 ، بمثابة نقطة تحول حاسمة في تاريخ مصر الحديثة ، ففي هذا التاريخ ، وتحديدا في 22 أغسطس 1798 ،أفتتح نابليون بونابرت ( 1769- 1821 ) ) المجمع العلمي المصري Institute Egyptien ليكون علي غرار المجمع العلمي بباريس ؛ واختار قصر حسن كاشف بالناصرية مقرا له وألحق به عدد من قصور المماليك المجاورة لتكون سكنا لأعضائه ؛ وكان من أهدافه التي وضعها بونابرت :-
1-العمل علي تقدم العلوم والمعارف في مصر ؛
2-ودراسة القضايا والأمور الطبيعية والصناعية والتاريخية في مصر مع العمل علي نشرها ؛
3-وأخيرا إعطاء الرأي والمشورة للحكومة في الأمور التي تستشيره فيها . وكلف بونابرت سبعة من أبرز علماء الحملة بإختيار أعضاء المجمع ؛ أما أسمائهم فهي (مونج وبرتوليه وجوفروا سانت هيلير وكوستاز وديجينت ؛والجنرال كافريللي وأندريوسي ) . وقرر المجمع في جلسته الأولي المنعقدة في 23 أغسطس 1798 بتقسيم المجمع إلي أربعة أقسام :- قسم للرياضيات ؛ وقسم للعلوم الطبيعية ؛ وقسم للاقتصاد السياسي ؛ وقسم للآداب والفنون . علي أن يتألف كل قسم من أثني عشر عضوا ؛ويديره مجلس مكون من رئيس ونائب له وسكرتير ونائب له ؛وأمين دائم للمجلس ومترجم ؛علي أن يجتمع المجلس مرتين في الشهر ؛ كما تقرر أن ينشر المجلس مجموعة من أبحاثه كل ثلاثة شهور . وفي الجلسة الأولي المنعقدة للمجمع أنتخب الأعضاء عالم الرياضيات مونج رئيسا للمجع ؛ وبونابرت نائبا للرئيس ؛ وفورييه سكرتيرا دائما وكوستاز نائبا له . وسوف نحاول إعطاء نبذة سريعة عن كل واحد من هؤلاء الأعضاء
أولا :- جاسبار مونج Gaspar Mong ( 1746- 1808 ) .
وأسمه بالكامل "جاسبار مونج " عالم رياضيات ولد في 10 مايو 1746 ؛ التحق بمدرسة الهندسة في أحدي البلاد الفرنسية ؛ حيث أصبح معيدا بها ؛ثم أستاذا لعلم الرياضيات ؛وألتحق بعدها بالأكاديمية الملكية للعلوم عام 1780 ؛ ثم اصبح وزيرا للبحرية خلال الفترة من (أغسطس 1792- أبريل 1793 ). حيث ساهم في تأسيس مدرسة متعددة الفنون ؛ ولقد صحب بونابرت في حملته علي مصر ؛وأنتخب أول رئيس للمجمع ؛وقدم خلاله بحثا متميزا عن ظاهرة السراب في مصر .ثم غادر مصر في 23 اغسطس 1799 . وعين عضوا بمجلس الشيوخ ؛ومديرا للمدرسة متعددة الفنون عام 1802 ؛ واستمر في تقديم ابحاثه المتميزة حتي توفي في 28 يوليو1818 .
ثانيا :- فورييه :- Fourire ( 1768- 1830 ) .
أما فورييه ؛ فأسمه بالكامل هو "جوزيف فورييه " ولد في 21 مارس 1768 ؛ من أسرة متوسطة الحال ؛ ألتحق بالمدرسة العسكرية في مدينته ؛ أنضم في فترة من حياته إلي حياة الرهبنة ؛وتحديدا رهبنة الآباء البندكت ؛ وعند إندلاع الثورة الفرنسية غادر الدير وأصبح أستاذا للرياضيات في مدرسته . وفي عام 1789 قدم بحثا لأكاديمية العلوم عن حل المعادلات الرقمية . اختاره بونابرت ضمن فريق العلماء المصاحب للحملة الفرنسية ؛ وعين سكرتيرا للمجمع العلمي ؛ وهناك قدم كثيرا من التقارير ؛كما رأس إحدي لجان الاستكشاف بمصر العليا . وعندما عاد إلي فرنسا ؛عين حاكما في أحدي البلاد الفرنسية ؛ وهناك تعمقت صلته بشامبيليون ؛وقام بتعريفه بكثير من أصدقائه القدامي في مصر ؛كما كتب المقدمة التاريخية لكتاب "وصف مصر" ؛ألتحق باكاديمية العلوم في عام 1817 ؛ وتولي خلالها منصب السكرتير الدائم لأقسام الرياضيات والفيزياء ؛وتوفي في 16 مايو 1830 .
ثالثا :- كوستاز Costaz ( 1767- 1842 ) .
؛ أسمه بالكامل هو "لويس كوستاز " ولد في 17 مارس 1767 في أحدي المدن الفرنسية ؛ تدرج في مراحل التعليم المختلفة حتي وصل إلي منصب مدير المؤتمرات بمدرسة المعلمين العليا بباريس ؛ اختاره بونابرت ضمن أعضاء المجمع العلمي ؛ وأنتخب سكرتيرا لفورييه ؛ وقام بعمل عدة أبحاث في منطقة مصر العليا ؛ وعند عودته إلي فرنسا عام 1801 ؛ تولي عدة مناصب منها رئيس المحامين ؛حاكم المانش خلال الفترة من (1804- 1809 ) ؛كما عمل مستشارا للدولة ؛ومدير عام للطرق والكباري (1813 ) أنعم عليه نابليون بونابرت بلقب "بارون" عام 1809 ؛وأصبح رئيسا للجمعية الجغرافية عام 1829 ؛ ثم ألتحق بأكاديمية العلوم ؛ وتوفي في 25 فبراير 1842 .
ولقد ذكر المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي ( 1889- 1966 ) كل أسماء العلماء المؤسسون للمجمع العلمي المصري في مجالات :- الرياضيات – الطبيعات – الاقتصاد – القواد والضباط – الأدباء والمترجمون والفنانون ... الخ ويمكن الإطلاع علي قائمة الأسماء بالكامل في : عبد الرحمن الرافعي : تطور الحركة القومية ، الجزء الأول ، الصفحات من 123- 142 ) .
كما يذكر الرافعي أن بونابرت اختار قصر حسن كاشف بالناصرية0( مكانه الآن المدرسة السنية بالناصرية ) ليكون مقرا للمجمع العلمي ، وألحق به القصور المجاورة التي بناها المماليك وخصصها لسكن أعضاء المجمع ..... وكان أعضاء المجمع العلمي لا يدخرون وسعا في متابعة جهودهم العلمية في مختلف الفروع والفنون ، حيث أسسوا داخل المجمع مكتبة تحوي أنفس الكتب التي جلبوها معهم من فرنسا أو جمعوها من خزائن الكتب في القاهرة . وأنشأوا به معملا للطبيعة والكيمياء جهزوه بالآلات والأدوات الخاصة بدراسة العلوم الطبيعية والرياضية . وأخذوا يجوبون البلاد فاكتشوفوا الآثار
وأزاحوا الستار عن عظمة مصر القديمة ، و رسموا خرائط مفصلة للبلاد ونيلها وترعها وسواحلها ، وبحثوا في طبائع الحيوانات والنباتات والمعادن المصرية ، ودرسوا مياه النيل وطميه وطبقات الأرض ..... الخ ( عبد الرحمن الرافعي ، تاريخ الحركة القومية ، صفحة 143 ) .
ولقد أنعقدت أول جلسات المجمع في 23 أغسطس 1798 ، وكانت الأبحاث التي أهتم المجمع بدراستها هي :-
1-ما هي الوسائل التي يمكن اتباعها لتدبير مواد الوقود اللازمة لافران الجيش .
2-ما هي الوسائل الناجعة لترشيح وتبريد مياه النيل .
3-ما هو الأنفع للبلاد بحسب الحالة الراهنة في مصر ، طواحين الماء أم طواحين الهواء ؟ .
4-هل يوجد في مصر مواد أولية لصنع البارود وما هي هذه المواد ؟ .
5-ما هي حالة التشريع والقضاء والتعليم في مصر ؟ وما هي الإصلاحات التي يمكن ادخالها علي هذه النظم ويرغبها أهل البلاد ؟ .
ولقد تشكلت لجنة لدراسة كل مشكلة علي حدة ، ووضع الحلول المناسبة لها ( عبد الرحمن الرافعي :- مرجع سبق ذكره ، صفحة 138 ) .
وفي جلسات أخري متعاقبة عرضت قضايا أخري مثل ( ما هي الوسائل التي يجب اتخاذها لزراعة العنب – القمح في مصر بالمقارنة مع طرق زراعتها في أوربا - طرق تموين القلعة بمياه النيل –حفر الآبار في الصحراء – ضرورة إنشاء مرصد ..... الخ ) .
ولقد خصصت جريدة لا ديكاد اجبسيين La Decade Egyptienne لنشر وتوثيق كل أعمال وأبحاث المجمع ،وصدر العدد الأول منها في أكتوبر 1798 م ( الرافعي :- نفس المرجع السابق ، صفحة 140 ) .
ولقد قام المؤرخ الشهير عبد الرحمن الجبرتي ( 1753- 1825 م ) بزيارة المجمع وقدم وصفا شاملا لما رآه في ( المكتبة - قسم الفلك – الرسم والتصوير – الهندسة والطب والكيمياء ) . وعلي سبيل المثال قال عن المكتبة " وفيه جملة كبيرة من كتبهم وعليها خزان ومباشرون يحفظونها ويحضرونها للطلبة ومن يريد المراجعة فيراجعون فيها مرادهم ، فتجتمع الطلبة منهم كل يوم قبل الظهر بساعتين ويجلسون في فسحة المكان القابلة لمخازن الكتب علي كراسي منصوبة موازية لتختاة عريضة مستطيلة فيطلب من يريد المراجعة ما يشاء منها فيحضرها له الخازن ، فيتصفحون ويراجعون ويكتبون ...... واذا حضر اليهم بعض ممن يريد الفرجة لا يمنعونه من الدخول إلي أعز أماكنهم ويتلقونه بالبشاشة والضحك وإظهار السرور بالمجيء إليهم ، وخصوصا إذا رأوا فيه قابلية أو معرفة أو تطلعا للنظر في المعارف بذلوا له مودتهم ومحبتهم ويحضرون له أنواع الكتب المطبوع فيها أنواع التصاوير وكرات البلاد والأقاليم والحيوانات والطيور والنباتات وتواريخ القدماء وسير الأمم وقصص الانبياء بتصاويرهم وآياتهم ومعجزاتهم وحوادث أممهم مما يحير الافكار ، ولقد ذهبت إليهم مرارا وأطلعوني علي ذلك ...... وكثير من الكتب الإسلامية مترجم بلغتهم ، ورأيت بعضهم يحفظ سورا من القرآن . ولهم تطلع زائد للعلوم وأكثرها الرياضة ومعرفة اللغات واجتهاد كبير في معرفة اللغة والمنطق ، ويدأبون في ذلك الليل والنهار ، وعندهم كتب مفردة لأنواع اللغات وتصاريفها واشتقاقاتها بحيث يسهل عليهم نقل ما يريدون من أي لغة كانت إلي لغتهم في أقرب وقت ( عبد الرحمن الرافعي :- نفس المرجع السابق ، الصفحات من 146- 148 ) .
ولقد أختتم الجبرتي تقريره الذي كتبه عن كل أقسام المكتبة بهذه الجملة " ولهم فيها أمور وأحوال وتراكيب غريبة ينتج منها نتائج لا تسعها عقول أمثالنا ( الرافعي :- صفحة 150 ) .
وبعد رحيل الحملة الفرنسية عن مصر عام 1801 ؛توقف نشاط المجمع فترة إلي أن أعاده سعيد باشا مرة أخري عام 1859 وجعل مقره بمدينة الاسكندرية ؛وفي عام 1880 انتقل المجمع مرة أخري إلي مدينة القاهرة . ولقد تم الاتفاق علي تشكيل لجنة من كل من ( كوينج بك رئيسا – ثوربون Thurbun احد خبراء الاقتصاد البريطانيين وعالم المصريات ااشهير أوجست مارييت نائبين للرئيس ) ولقد طالب المجمع في تشكيله الجديد بضرورة تطوير العمل العلمي المشترك ، وضرورة إظهار القوي الجوانب الخفية في القري المصرية ، ولم يخل المجمع العلمي في تشكيله الجديد من بعض العرب مثل 0 الامير عبد القادر الجزائري عضو شرفي – سعيد الحفناوي افندي من الإسكندرية – عبد الله مسعود افندي – شفيع بك عضو المجلس الصحي بالإسكندرية – الطبيب محمود علي مدرس الطب في مدرسة الطب بالقاهرة ( وائل الدسوقي :- المؤسسات الثقافية في مصر ، الصفحات من 42- 43 ) .
ولم يقتصر الانضمام الي عضوية المجمع علي الأفراد فقط ، بل شمل عدد من الأكاديمات بكل منها عدد محدد من المقاعد ، وكما كانت جريدة La Decade Egyptienne هي لسان حال المجمع العلمي القديم ، تم طبع وتوثيق كل ابحاث المجمع العلمي الجديد في مجموعة سنوية تمت تسميتها Bulletin de L Institute Egyptien ، التي أهتم بنشر كل نشاط وأبحاث المجمع العلمي الجديد ( وائل الدسوقي :- المؤسسات الثقافية ، نفس المرجع السابق ، صفحة 44 و45 ) .
وتعاقب علي الرئاسة الشرفية للمجمع الجديد أربعة من الفرنسيين يليهم الأرمني المتمصر " يعقوب أرتين ( 1842- 1919 ) " كما ضم سبعة من الأعضاء المؤسسين من مصر منهم ( نوبار باشا – محمود الفلكي – رفاعة الطهطاوي – علي مبارك ) .( وائل الدسوقي :- نفس المرجع السابق ، صفحة 47 ) .
ولقد رأس المجمع العلمي المصري مجموعة من صفوة رجال الفكر والعلم في مصر ، نذكر منهم علي سبيل العينة لا الحصر ( الأمير عمر طوسون – علي إبراهيم باشا – أحمد زكي باشا – الدكتور علي مصطفي مشرفة – الدكتور محمود حافظ رائد علم الحشرات ... الخ ) .
ومما يؤسف له أن هذا المجمع العريق قد تعرض لحريق مؤسف مساء يوم الجمعة الموافق 16 ديسمبر 2011 ، بسبب الاشتباكات التي وقعت بين المتظاهرين وقوات الجيش بعد قيام قوات الشرطة العسكرية بفض اعتصام مئات النشطاء في شارع مجلس الشعب ، ولقد أتت النيران علي معظم
محتويات المجمع
. أما اهم الكنوز التي حرقت فهي :-
1- الطبعة الأولي من كتاب وصف مصر الذي وضعه علماء الحملة الفرنسية في 21 مجلد .
2- أطلس عن فنون الهند القديمة
3- أطلس بأسم مصر الدنيا والعليا مكتوب عام 1752
4- أطلس إلماني عن مصر وأثيوبيا يعود تاريخه لعام 1842
5- مجموعة خرائط نادرة أعتمد عليه المؤرخ الراحل الكبير الدكتور يونان لبيب رزق في إثبات حق مصر في طابا ؛ كذلك حقها في حلايبب وشلاتين
6- مجموعة كتب نادرة أحضرها معهم علماء الفرنسية من فرنسا ؛ وأودعوها في مكتبة المجمع .
وعلي الفور أمر الدكتور محمد صابر عرب رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية في تلك الفترة بتشكيل لجنة من خبراء الترميم في دار الوثائق القومية ، كما تكفلت القوات المسلحة المصرية بدفع تكاليف ترميم مبني المجمع ،. ولقد أفتتحت أعمال الترميم والتجديد في 22 اكتوبر 2012 . ( B . B .C . Arabic ، 22 أكتوبر 2012 ) .
مراجع المقالة :
1-عبد الرحمن الرافعي :- تاريخ الحركة القومية وتطور نظم الحكم في مصر ، مكتبة النهضة المصرية ، الطبعة الرابعة ، 1955 .
2-روبيه سوليه :-علماء بونابرت في مصر ، ترجمة فاطمة عبد الله محمود ، مراجعة محمود ماهر طه ، تصدير أنيس منصور ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، سلسلة مصريات رقم 8 ، 2010 .
3-وائل إبراهيم الدسوقي :- التاريخ الثقافي لمصر الحديثة ، دار الكتب والوثائق القومية ،الإدارة المركزية للمراكز العلمية ، مركز تاريخ مصر المعاصر ، 2012 .
4-حامد عبد الرحيم عيد :- المجمع العلمي المصري من جاسبر مونج إلي فاروق إسماعيل ، موقع المصري اليوم ، 13 فبراير 2023 .
5- B . B .C :- المجمع العلمي المصري يعود إلي الحياة بعد تجاوز أزمة الحريق ، 22 أكتوبر 2012 .