ياسر أيوب

ليس هناك أجمل من لحظة يعود فيها حق لأصحابه.. وأن ينتصر أخيرا من تخيلوا أنهم لن يستطيعوا هزيمة من هم أقوى وأكبر وأغنى.. ورغم ذلك حاولوا وحاربوا وصرخوا ولم يستسلموا..

وكل مفردات لغات العالم ستعجز عن وصف مشاعر لاعبة الجمباز الرومانية «آنا باربوسو» وهى تقف منذ أيام قليلة فى بوخارست تتسلم ميداليتها الأوليمبية.. وكانت نهاية جميلة لحكاية حزينة بدأت فى ٥ أغسطس أثناء مسابقة الحركات الأرضية للجمباز فى دورة باريس الأوليمبية.. وبعد عروض التسع لاعبات فى النهائى، تم إعلان فوز البرازيلية ريبيكا أندرادى بالذهب والأمريكية سيمون بايلز بالفضة والرومانية آنا باربوسو بالبرونزية.. وغضب الأمريكيون وثاروا واحتجوا وطالبوا بمراجعة درجات اللاعبات؛ لأن لاعبتهم جوردان تشايلز هى الأحق بالميدالية البرونزية.. وتقدمت سيسيل لاندى مدربة اللاعبة الأمريكية باحتجاج رسمى، وقَبِلَ القضاة الاحتجاج وأعادوا حساب الدرجات ثم أعلنوا سحب الميدالية البرونزية من الرومانية آنا باربوسو ومنحها للأمريكية جوردان تشايلز.

وفى صخب وصراخ واستعراض زاعق للقوة والنفوذ، احتفل الأمريكيون ومسؤولوهم وإعلامهم بالميدالية التى سترجع بها تشايلز لبلادها، بينما وقفت آنا باربوسو وحيدة تبكى من الحزن والقهر.. وليس من الصعب تخيل قسوة مشهد لاعبة لا تزال فى الثامنة عشرة من عمرها فازت بميدالية أوليمبية ثم فوجئت بالأمريكيين يأخذون منها ميداليتها.. وكتبتُ هنا وقتها عن هذه الحكاية وعن الرومانية ناديا كومانشى أعظم وأشهر لاعبة جمباز فى التاريخ التى صرخت احتجاجا ورفضا لهذا الظلم.. وقرر الاتحاد الرومانى للجمباز اللجوء للمحكمة الرياضية الدولية بحثا عن حق لاعبتهم وميداليتها الضائعة.. وانتهت الدورة الأوليمبية وعادت بعثة رومانيا من باريس إلى بوخارست بثمانى ميداليات، ليست منها ميدالية الجمباز التى شعر الرومانيون أنها أبدا لن تعود إليهم رغم أنهم الأحق بها ورغم اللجوء للمحكمة الرياضية الدولية..

 

أدركوا أن النفوذ الأمريكى السياسى والإعلامى والرياضى والأوليمبى لن يسمح لهم باستعادة هذه الميدالية.. وفوجئ الجميع منذ أيام بالمحكمة الرياضية الدولية تقرر سحب الميدالية من الأمريكية تشايلز وإعادتها للرومانية باربوسا، واستندت المحكمة لأمر لم ينتبه إليه أى أحد؛ وهو أن الأمريكيين تقدموا باحتجاجهم بعد أربع ثوانٍ من انتهاء الدقيقة المسموح بها لكل لاعبة أو بعثة للاحتجاج على القضاة، وبالتالى كل الإجراءات والمراجعات باطلة والميدالية من حق باربوسا كما أعلن القضاة ذلك فى بداية الحكاية.. وتم إبلاغ رومانيا بالحكم، فقرر مارسيل تشولاكو رئيس الحكومة الرومانية إقامة احتفال خاص بنفس المراسم التى صاحبت تسليم ميداليات دورة باريس.. ووقفت باربوسا تتسلم ميداليتها وعلى وجهها اختلطت دموع الفرح بابتسامة انتصار تخيلته باربوسا وكثيرون غيرها مستحيلا؛ حيث لم يتوقع أحد خسارة الولايات المتحدة هذه المعركة.

نقلا عن المصرى  اليوم