حمدى رزق

لن أجيبك، يجيبك أمين الفتوى، لفتنى السؤال، ومثله كثير، وفى نفس يوم السؤال الذى اهتم به محرك البحث العالمى «جوجل» وتصدر مشاهداته، صدرت فتوى بكراهة ارتداء الشورتات القصيرة التى تبين أفخاذ الشباب.

 

مثيرة الشورتات، هوت شورت رجالى، تذكرك بفتوى «البنتكور» الشهيرة، والبنتكور هو ذلك البنطلون أو السروال القصير إلى حدِِ ما، ومنه أيضًا الأنواع الطويلة إلى آخر الساق، وهو من التصميمات العصرية المُبتكرة.

 

وحصدت فتوى« البنتكور» مشاهدات إلكترونية كثيفة، الفتاوى المصرية تروج عالميا، باريس عاصمة الموضة، يشار إلى القاهرة، بـ «عاصمة الفتوى» بامتياز، يمكنها تصدير الفتوى لاحقا، الفتوى باتت مطلوبة أكثر من الفراولة.

 

دار الإفتاء وحدها أصدرت (1.607.246) فتوى فى عام مضى، ما بين فتاوى شفوية وهاتفية ومكتوبة وإلكترونية وردت لمقرها الرئيسى أو الفروع المنتشرة، وعبر تطبيق الدار والبث المباشر وصفحات التواصل الاجتماعى.. ناهيك عن أن مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، خلال عام 2023م، قام بالرد على نحو (1.766.046) مليونٍ وسبعِمائة وستةٍ وستين ألفا وستٍّ وأربعين فتوى هاتفية ونصية وميدانية وبحثية وإعلامية وعلى وسائل التواصل الاجتماعى.

 

تشكيلة فتاوى معتبرة، تتعلق بكل ما يهم الناس فى حياتهم اليومية، وفى كل فروع الفقه من عبادات، ومعاملات، وأحوال شخصية، وقضايا الفكر.

 

مجتمع عنده فكر، يعانى قلقا ضميريا، من أعراضه عدم اليقين المرضى، هسس يسمونه وسواس، يعالجونه بالسؤال والإلحاح المرضى.

 

مستوجب دراسة مجتمعية نفسية، أهم من تلقى أقراص الفتاوى التى تعالج عرضًا مؤقتا لا تعالج مرضا مقلقا.. التشخيص الدقيق للظاهرة، وهذا ليس من أدوار الأزهر ولا دار الإفتاء، ولكنها من أدوار مؤسسات بحثية اجتماعية غائبة عن المشهد.

 

هل هناك تفسير اجتماعى منطقى وواقعى لزيادة الطلب على الفتوى، هل هى نوبة تديُّن طارئة، وكأن المصريين يتعرفون مجددًا على الحلال والحرام، وما هو جديد الفتوى الذى تكالبوا عليه خلال العام الماضى، تقريبا نفس الأسئلة بنفس الإجابات!.

 

ما الذى يقلق المصريين دينيًّا إلى هذا الحد لطلب 9 آلاف فتوى يوميا، من الأزهر والإفتاء، ناهيك عن الفروع فى المساجد والبرامج والمنتديات، ما يضاعف الرقم فعليا، وما الترجمة المجتمعية لزيادة معدلات طلب الفتوى؟.

 

معلوم الفتاوى تصدر لأصحابها، وبعضها ينشر على العامة، فإذا صدرت ثلاثة ملايين فتوى، فهناك عشرات ملايين يستقبلونها على هواتفهم النقالة، تصدر الفتاوى لتشيع كالوصفات الطبية، التى يبخُّها نفر من الأطباء المدروشين على وسائل التواصل الاجتماعى، وخطرها داهم.

 

نزوع المصريين إلى طلب الفتوى بشراهة مفرطة يشى بأن كثيرين باتوا مقلقلين حلالًا وحرامًا، صار السؤال حلالًا أم حرامًا السؤال الرئيسى فى حياة الناس، فى أدق الخصوصيات، وفى قضايا أبعد ما تكون عن الحلال والحرام، ومسّت الفتوى قرارات وسياسات خلوًّا من الحلال والحرام، عيشتنا أصبحت بين حلال وحرام.

 

 

تديين الحياة على هذا النحو خطير جدًا، وتسييد المراجع الدينية سيخلّف آثاره فى مقتبل الأيام، بعض رجال الدين يحرثون الأرض لإقامة الدولة الدينية المزعومة، وبروز دور رجال الدين وتجسدهم هكذا فى حياتنا مؤشر خطير على توارى الدولة المدنية، نفقد يوميًّا أرضًا يرثها رجال الدين على هوى الطيبين.

نقلا عن المصرى اليوم