عيد اسطفانوس 

اسباب كثيرة  ربما تميزنى عن كثيرين ممن تناولوا الشأن السودانى ،بالطبع عدا أصحاب القضية أنفسهم لأنهم  بالضروره أدرى بشعابها من غيرهم، أحد أبرز هذه الاسباب أننى  مقيم على تخومهم الشماليه حيث التداخل القبلى جلى ومؤثر وخصوصا بعد موجات الهجرة الأخيره ،سبب آخرأننى عشت فترات متفاوته أثناء خدمتى فالبلد الشقيق فى مهمات دعم عسكرى كان يوفرها السادات ومبارك  للنظام الحاكم حليفهم أيامها ،وقد أتيح لى الاحتكاك عن قرب بمجتمع كان  منفتحا متسامحا ( وأظنه لا يزال ) ثقافه واجتماع  وسياسه ومعتقد ،سبب أخر مهم أن بعضا من عشيرتى  ارتحلوا الى الجنوب مبكرا واستقروا فى مناطق كثيره من ايام ممالك النوبه المسيحيه وحتى وقت ليس ببعيد واندمجوا فى مجتمعاتهم  وبمرور الزمن  أصبحوا كيان مجتمعى منصهر متجذر واستوطن معظم المدن الرئيسه الخرطوم وأم درمان وعطبره وشندى وغيرها ،سبب آخر وليس أخير أننى أحب السودان لأسباب أخرى كثيره يطول  شرحها  .
 
  نعود الى عنوان الطرح وقد اخترنا اللفظ الدارج المحبب المستخدم بكثافه فى الشارع السودانى ا،ستخدمناه  بغرض كسر حدة موضوع الطرح المقبض وهى مأساه بكل المقاييس ،المقاييس الانسانية والسياسية والاجتماعيه والاقتصادية ،مأساه بدأت منذ السبعينات عندما استجاب  نميرى لمغريات دعم وهمى قدمته له تيارات أدلجة العقيده الاخوان المسلمين وتفرعاتهم ، ونافقهم بغية استرضائهم وقام  بفرض قوانين تطبيق الشريعه الاسلاميه واضطرب المجتمع السودانى كله أيما اضطراب ولم يشفع له مافعله وكعادتهم التآمرية انقلبوا عليه واختاروا سلف أسوأ من خلف أدخل السودان فى مستنقع موحل لا زال يعانى ــ وسيظل يعانى ــ بسببه حتى اليوم .
 
أما الحاصل اليوم فهو تبعات ماصنعه ثالوث اغراق السودان وتدميره نميرى والترابى والبشير ، الاول انقلب على آخر مشهد  ديمقراطى عاشه السودانيون ،والثانى قوض أركان الاسلام الصوفى الهادئ الذى اعتنقه السودانيون منذ فجر العقيده الى نسخه غريبه اصطدمت بعنف مع مجتمع هادئ متسامح  لم يعتد مثل هذه الممارسات الخشنه ، ومن ثم انقسم المجتمع انقساما حادا ،أما الثالث فقد دشن النتائج النهائية ووقع على ضياع نصف جغرافية السودان وبسبب ممارساته لازالت بقية جغرافية السودان مهدده بالتشظى .
 
أما عن الحيرة فلست وحدك الحائر ياصديقنا  فنحن وكثيرون غيرنا مثلك تنتابنا نفس حيرتك فماذا يحدث فالسودان ؟ وأنا لا أظن أن أحدا يعرف ،وحتى من يعرف فلأسباب كثيره لن يبوح بما يعرف عن ماذا يحدث فى السودان ؟ومن يحارب من ولماذا ؟وماذا يبتغى كل طرف من حرب تشرد فيها نصف سكان بلد؟ والنصف الثانى يعانى الجوع والعرى والفقر والمرض فى بلد يزخر بكل مقومات الغنى والثروه ، انها مأساه انسانية بكل المقاييس وفى رأيى الشخصى أن ما يحدث هو أحد نواتج  ثالوث الشر الذى دمر السودان نميرى والترابى والبشير ، فخلايا الترابى التى رعاها نميرى والبشير والتى تقبض على مفاصل الجيش السودانى والذين نحوا البشير تحت ضغط ثوره شعبيه هائله ،عادوا وسووا صفوفهم باستراتيجية جديده هى مهادنة تيارات الدوله المدنية الحديثه
 
واجهاض وتعويق أى مخطط قد يفضى الى أن تؤول السلطه الى الشعب ،وهو ماحدث طيلة السنوات الماضية وقد كان السودان قاب قوسين من ترسيخ نظام ديمقراطى مدنى الى أن وقعت الواقعه واصطدم البرهان ودقلو الاول وتحت ضغط تيارات الاسلام السياسى التى تقبض على مفاصل الجيش حقق هدفه بتأجيل أى نقله فى اتجاه ترسيخ حكم ديمقراطى ودوله مدنيه حديثه ،والثانى وان رفع  لواء معاداة الاسلاميين لحشد التأييد له الا أن أهدافه الحقيقيه غير معلنه .
ويدفع السودانيون الثمن مضعفا كل يوم من قوتهم وأمنهم وأرضهم وجغرافيتهم المهدده ومشردون فى كل دائرة الجوار واختفى الثوار تحت هدير البنادق ولا أحد يعرف متى تنتهى هذه المأساه ، مأساة الزول الحائر .