أحمد الخميسي 
لا نقول وداعا يا سمية لأننا نودع من يفارقوننا وأنت باقيه في القلب مثل وردة هوت من على غصنها وبقي عطرها عالقا بالجو.
 
أتأمل حياتك الآن التي انقضت من دون حساب للمكاسب والخسائر، وأنت منكبة فقط على الحقيقة القلقة التي أرقتك من غير أن تكفي عن التحديق بروحك.
 
قبل رحيلك بأسبوعين استحضرنا مسيرتك؛ كان ذلك بمبادرة من الروائية الصديقة هالة البدري وحضور د. سحر الموجي والكاتب علاء خالد وآخرين، وكيف أنك حصلت على الدكتوراة في اللغة الانجليزية بايرلندا عام 1983، ثم شققت طريقك الأدبي متأخرا وأنت في الرابعة والأربعين عندما نشرت أولى مجموعاتك القصصية " خشب ونحاس" عام 1955، وأعقبتها " منازل القمر" 1999 ثم ترجمة كتاب فرجينيا وولف" غرفة تخص المرء وحده" 1999، وأخيرا رواية " أوراق النرجس" 2001 الفائزة بجائزة نجيب محفوظ، ثم عكفت بعد ذلك على تدريس الطلاب في المعهد العالي للنقد الفني، ورحت شيئا فشيئا تتجنبين الحياة الثقافية والندوات واللقاءات وبلغ بك الشعور بالوحدة حد أنك أقمت منزلا في أسوان تهربين إليه من الصخب والضوضاء، وظللت حتى نهاية يونيو هذا العام تترددين على المعهد، إلى أن هاجمك المرض اللعين، وكنت مرة تردين على مكالماتي، ومرات يرد نيابة عنك ابنك العزيز ياسر حتى ظهر يوم الاثنين 19 أغسطس عندما تلقيت مكالمة سمعت خلالها صوت ياسر يغمغم مختنقا:" ماما..خلاص".
 
هكذا استعاد الرب في 19 أغسطس النار التي أجرى في قلبها الندى، وترك لنا حزنا غمر كل خلية و رجفة  شعور، وكيف لنا أن ننسى نظرتك الواضحة مثل شعاع نقي ينفذ إلى روح الجالس معك، بحثا عن الحقيقة، من دون تجريح لكن بتفهم، النظرة التي تجعل من معك يلقى وراء ظهره بأي افتعال أو قناع أو ادعاء ويصبح حقيقته. ولطالما أدهشتني حياتك التي مرت مثل ومضة جميلة لم تعبئي فيها بحسابات الربح والانتشار.
 
كتبت عندما أردت وتوقفت عندما وددت، اختلطت بالناس حين شئت واعتزلت حينما رغبت. وكنت أراك  في كل ذلك طائرا قلقا، الأرض ساخنة على قدميه والسماء ثقيلة على جناحيه. ترى هل تذكرين أنك مرة في بدايات تعارفنا نظرت إلي مثل طفلة تتأهب لتدهش الآخرين وسألتني:" أتعرف يا أحمد ما معنى اسمي؟.. سمية؟".
 
لزمت الصمت، فقلت أنت بسرور الأطفال: " سمية هي القطعة الصغيرة من السماء"! وضحكت سعيدة وأنت تكادين أن تثبي من على مقعدك لأنك أدهشتني.
 
الآن استرد الرب قطعة السماء الصغيرة لكننا سنظل كلما تطلعنا إلى أعلى نراك، كاتبة موهوبة ومبدعة حقا، وإنسانا يفعل ما يلزمه به ضميره من دون نفع شخصي. أذكر أنه في 5 يونيو 2013 حين بدأ اعتصام المثقفين بمبنى وزارة الثقافة لصد الهجمة الإخوانية، كان هناك عدد من شباب المثقفين يقف يوميا عند بوابات الوزارة حراسة للاعتصام، وكانت تمر عليهم صباح كل يوم سيدة تناولهم كميات ضخمة من السندويتشات لكي يفطر المعتصمون عليها ثم تستدير وتنصرف من دون أن تعلن عن نفسها. في ما بعد وبالمصادفة فقط عرفوا أنها دكتورة سمية رمضان. لا نقول وداعا يا سمية لأنك معنا، الآن، وغدا، وبعد غد، ملء القلب والشعور، قطعة غالية من السماء.