خالد منتصر
فى أغسطس 1959 وُلدت فرقة رضا، إنه تاريخ أول عرض للفرقة على مسرح الأزبكية، وهو ليس حدثاً عادياً يمر مرور الكرام، إنها ليست مجرد رقصة ولكنها حدث تنويرى مهم، إنها مرحلة فارقة بين اعتبار الرقص هز وسط واعتباره فناً رفيعاً، ونقلاً عن كتاب «الرقص مع الحياة» لأيمن الحكيم فى حوار مع الفنان محمود رضا، راصداً تلك اللحظة المفصلية فى تاريخ الفنون الشعبية المصرية، يقول:
«اعترضت بشدة على اسم فرقة رضا، وكان من بين أهم أسباب اعتراضى أن هناك عائلة أخرى شريكة فى الفرقة هى عائلة فهمى، فهناك فريدة ونديدة زوجة على رضا وشقيقة فريدة وحسن فهمى، وبعد مجادلات وصلنا لحل وسط وهو أن يكون اسمها (فرقة رضا للفنون الشعبية). وبعد شهور من التدريب الشاق قررنا أن نستأجر مسرحاً ونقدم عروضنا للناس، ورحنا للمسئولين فى وزارة الإرشاد ليؤجروا لنا مسرحاً من مسارح الدولة، قالوا لنا لازم الوزير يشوف العرض ويوافق عليه، ولأن مقام الوزير لا يسمح بأن يشاهد عرضًا فى مسرح أقل من دار الأوبرا (الملكية القديمة)، فكان معنى ذلك أن ندفع مبلغاً وقدره كإيجار للمسرح، وبعد وقت من المماطلة تكرموا علينا بمسرح صغير هو (مسرح الأزبكية)، وطلبوا 11 جنيهاً إيجاراً فى الليلة.
عملنا حملة دعاية، وقررنا أن تكون ليلة الافتتاح فى 6 أغسطس 1959، ولأن الفرقة لم تكن معروفة جماهيرياً، يعنى لا أحد سيذهب ليقطع تذكرة من أجل محمود رضا وفريدة فهمى ولا شوية شباب (بيرقصوا)، ولذلك بناء على خبرة (على رضا) فى التسويق والدعاية ونصيحة من د. حسن فهمى رأينا أن نستعين بأسماء معروفة (نبيع بها)، ولذلك تصدرت أفيشات الدعاية فى حفلاتنا الأولى أسماء نجوم معروفين مثل كارم محمود وشهرزاد و(الثلاثى المرح)، فبقت الناس عاوزه تشوف كارم محمود مطربهم المحبوب وما الذى سيفعله مع فرقة للرقص الشعبى.
أسعار التذاكر كانت تتراوح من 15 إلى 20 قرشاً، وكان الإقبال الجماهيرى أكبر بكثير مما توقعنا، والصالة كانت (كامل العدد)، ولا أنسى بعد حفل الافتتاح وتصفيق الجمهور لنا أن سالت دموع د. حسن فهمى فى الكواليس، وراح يحتضننا بشعور أبوى غامر ويهنئنا من وسط انفعاله ودموع فرحه: مبروك يا أولاد، وكأنه كان فى اختبار شخصى صعب ونجح فيه. كنا قد اتفقنا مع وزارة الثقافة على أن نستأجر مسرح الأزبكية لمدة عشرة أيام، ومع النجاح الكبير للعروض وافقوا على تمديد الإيجار لشهر كامل، وبدأت الناس تحس بالفرقة بعد أن كتب عنا كبار الصحفيين، وكان أكبر نجاح لنا فى رأيى أن جمهورنا أصبح فيه عائلات كاملة، كان الرجل يأتى بزوجته وبناته وأولاده ليتفرج على رقصاتنا وهو متأكد أننا نقدم فناً محترماً لا ابتذال فيه ولا إسفاف، وكتب إحسان عبدالقدوس أنه عندما شاهد فريدة فهمى ترقص أحس أنها ابنته أو أخته، وليس فى رقصات الفرقة ما يدعو للخجل.
بدأت أمور الفرقة تتحسن من عائد الحفلات وإيرادات الشباك، وقفز مرتب الراقص إلى 15 جنيهاً، واتفقنا على تقديم حفلات فى الإسكندرية، وسافرنا لنعرض فى مسرح (محمد عبدالوهاب) فى شهر سبتمبر، وفى عز هذا النجاح تلقينا أول صدمة وأفدحها، ماتت زوجتى (نديدة) ونحن فى الإسكندرية، قهرها المرض (القلب) وهى فى عز شبابها.. اشتغلنا سنتين فى نجاح متواصل، وبدأت الناس تأتى للفرقة نفسها بدون عوامل مساعدة زى كارم محمود وشهرزاد، وكان من حسن حظنا -وحسن حظه أيضاً، أن عثرنا على مطرب شاب كان معروفاً فى أوساط الهواة، وأصبح من نجوم الأغنية الشعبية، وعملنا له أغانى خاصة مع الفرقة.. وأقصد بالقطع محمد العزبى الذى ظل مطرب الفرقة لسنوات».
هذا جزء من قصة فرقة رضا والتى كانت خير سفير لمصر فى الخارج.
نقلا عن الوطن