حنان فكري
عطش التجارب لا يرتوي إلا من براءتنا، والعود اللين لا يستقيم إلا بانكساراتنا، فكل انحناء وسقوط يتبعهما صلابة وصمود، كالصخر لا تهزه الرياح أولئك الذين اختبروا الصراع، عبر نفوس ألهبتها صيحات الضعف والخذلان.. إنه ملخص الحالة التي تجتاح الإنسان، قبل وبعد السقوط في الخيانة الزوجية، بغض النظر عن نوعه رجلًا أم امرأة، لكن سرعان ما تتلاشى هذه الحالة وتتبدد مع تحول فعل الخيانة إلى عادة، فيصير الصمود لعنة، والصخر الثابت ريشة في مهب الريح، ويحتل مكان الخبرة عِلة تسكن الشخصية وتطيح باستقرارها وتوازنها. عِلة اسمها الخيانة المتكررة، التي تمثل سلوكًا ضمنيًا أو صريحًا ينتهك العهد المقدس ويكسره بين الطرفين بالجسد أو العاطفة.
ولأن الخيانة تتعلق بعوامل نفسية واجتماعية وثقافية، فهي لا تقتصر على الرجال كما كتبت في مقال سابق، في ذات المساحة، تحت عنوان «لماذا يخون الرجال؟» وبالرغم من ذلك تلقيت العديد من التعليقات التي تطالب بالإنصاف عبر مواجهة إجابات السؤال الأول بإجابات عن السؤال المقابل، لماذا تخون النساء؟.
وللإجابة عن السؤال علينا أولًا الإشارة إلى أن سيكلوجية النساء تختلف عن سيكلوجية الرجال في مسائل العاطفة والجنس، ورغم أن هناك فروقات لكنها تظل غير مطلقة، لتأثير العوامل، الثقافية، والاجتماعية، والتجارب الشخصية، وصدمات الطفولة، والنشأة، كلها عوامل تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل دوافع سلوك الفرد ودفاعاته النفسية، بغض النظر عن نوعه رجلا أم امرأة.
فغالبا يميل الرجال إلى استقلال العاطفة عن الجنس، ويكون الدافع الجنسي لديهم مرتبطًا بالعوامل البيولوجية، والرغبة في التجديد، وبالتالي قد ينخرط الرجال في علاقات خارج الزواج لدوافع جنسية بحتة، بدون ارتباط عاطفي، يغذي ذلك الثقافة الذكورية لدى المجتمع، والتي تشجع على التعدد، وتعتبره نوعًا من الفحولة، طارحة مخافة الله خارج القلوب، منتزعة الضمير من معادلة اللذة، تلك الثقافة تمنح المبررات للرجال مهما كانت فجة وغير منطقية. ومن هنا يأتي الخذلان، فيعصف بكل ما هو راسخ في وجدان المرأة تجاه شريك حياتها، وقد يكون ذلك هو السبب الأول، وربما الأوحد لدى بعض النساء في الخيانة.. إنه الانتقام العمدي.
أما معظم النساء فيملن إلى الاستقرار العاطفي والأسري، الذي يشكل ركنا مهما من العلاقة الجنسية مع شريك الحياة، التي غالبا تكون مدفوعة بالتواصل العاطفي، وليس بالرضا الجنسي، والشعور بالأمان وتلبية الاحتياجات الأساسية من الرعاية والاهتمام والتقدير، وبالتالي ترتبط التوجهات الجنسية لدى المرأة بعوامل نفسية وعاطفية وفقا لتركيبتها النفسية. لذلك يأتي الانتقام في مقدمة الأسباب التي تدفع المرأة للخيانة. في محاولة منها لإثبات أنها مرغوبة ومحبوبة، وقادرة على الإشباع، وهكذا تكون أساءت إلى نفسها مرتين الأولى بقبول الإيذاء من زوجها، والثانية بتقديم نفسها ذبيحة على مذبح الخيانة.
وليس من المستغرب إيذاء المرء لنفسه انتقامًا ممن أحب وأخلص اليهم، سواء كان رجلًا أو امرأة، فحينما يتوقف إنتاج الأمل في قلبك، اعلم أن أحدهم استهلك طاقة حبك، شغفك، نورك الداخلي، مزق ورودك، وارتشف رحيقك، فض بكارة روحك، جفف كل منابع التحنن تجاهك، استنزف أمانك، ثم قذف بك من فوق جبل الأحلام، هذا من أسلمته مفاتيح بوابة نفسك والمتاريس المقفولة، فلا عادت المفاتيح في قبضة يدك، ولا ارتفعت المتاريس لردك عما أنت فاعله، ولا نجوت من السقوط.
الإهانات، الشتائم، الاتهامات والسخرية اللاذعة لا تسقط بالتقادم، تظل معولًا يهدم في جدار النفس، ويحفر في اتزانها، حتى يصل الاحتمال للذروة والكرامة للقاع، فتقرر المرأة – ليس كل امرأة- أن تثأر للذات المنسحقة لشريك لم يدرك أن كرامة زوجته جزء من كرامته. وكلما زادت الإهانات كلما كانت الرسالة مباشرة، ملخصها «ابتعدي أو احصدي المزيد». حينها يكون الانسحاب انتصارًا للكرامة، والبقاء مُصادقة على شهادة وفاتها. لكن بعض النساء يعجزن عن الانسحاب لأسباب اجتماعية، فيهربن من جحيم الإهانة إلى جهنم الخيانة. لقد قابلت نساءً دفعن أجسادهن ثمنا لنوال كلمات الإطراء والإعجاب التي حُرمن سماعها على ألسنة أزواجهن.
القسوة طاردة للحب، والعنف على كل المستويات اللفظية أو البدنية، أو الجنسية، فعل مُذل، يغتال الأمان، ذلك الاحتياج الأساسي للمرأة، فيتولد لدى البعض دافع داخلي للبحث عن وسيلة لتعزيز الشعور بالقيمة الذاتية والثقة بالنفس، فتبحث المرأة عن احتياجاتها المفقودة، وتسعي نحو الهاوية في غريب ارفع درجات الصدق لديه هي خدعة الاستغلال، وتظن أنها تسترد توازنها، والعجيب أن بعضهن يكمل حياته في ثلاثية «الزوج والزوجة والدخيل».
التجاهل عدوان يتستر خلف الصمت، التجاهل تجويع عاطفي، رجل صامت وامرأة تحترق، وعتاب غائب، فوق جسر حطمه الكبرياء. فصار الوصول مستحيلًا، تتوقف المرأة عن محاولات استرداد الزوج، تفر من ظلمة المعاناة، باحثة عن مساحات النور، غير واعية أن لصوص الأمان لا يظهرون سوى في الليالي الظلماء.
الاستغلال بكل أنواعه قد يكون سببًا، فاستحضار روح المال والمصلحة يفك سحر الحب، والهروب من الشراكة في تحمل العبء المادي والأسري، واستبدال الأدوار، الذي تصبح معه الزوجة مجرد مصد للعواصف يصنع منها آلة، مع مرور الوقت تتآكل تروسها، فتبحث عن قطع غيار لدى أول من يبيع لها وهم إصلاحها.
الأبواب المواربة ثغرة مفتوحة، فالفتاة التي امتلأت بالحب من بيت أبيها، وتعلمت رفض الإغراءات، وعدم مواربة الأبواب، تعرف كيف تسد الثغرات أمام الصيادين. الفتاة التي شبت على أن جسدها ملكا لها مسؤولة عنه أمام الله، وأنها ليست مُجبرة على دفع الثمن حتى تحصل على التقدير والحب، يصعب عليها تقديم جسدها ثمنا للحصول على الاحتياج، لكن البيوت المأزومة التي أنتجت شبانا، وشابات اعتدن الحب المشروط، زرعت مبدأ الدفع المقدم للكلمة الحلوة واللمسة الحانية، وكله من العفة والطهارة والبراءة الأولى، فكيف لهم أن ينطقوا اللاءات التي نحكي عنها، والقلب جائع بأثر رجعي.
يوجد أيضا نوع من النساء يشعرن بعدم الرضا الجنسي عن شريك الحياة، وهذه النوعية من النساء اللواتي يغلبهن الجوع الجنسي، غالبًا ما تكون لهن تعقيدات نفسية شديدة، فتبحث مثل الرجل عن الإشباع الحرام رغم كل مغباته، وتدفع الثمن غاليا.. عاجلًا أم آجلًا. والقصص كثيرة حول نساء تركن أطفالهن لليتم المعنوي ليلاحقن رغباتهن، وحينما زحف الشيب على رؤوسهن، ودقت نواقيس العجز في أجسادهن، التي زاحم فيها الخشوع لوعة الاحتياج، وحريق الغرائز، بحثن عن العهد المقدس وإذا به مكسورًا على عتبات الخيانة.
الأسباب السابقة على سبيل المثال وليس الحصر، وتظل مجرد إضاءات على بعض مواطن الخلل، تعاني منها قطاعات عريضة من النساء، وبينما ينحرف البعض عن المسار المقدس، يمتنع البعض الآخر عن الانزلاق، ونفس الأسباب تنطبق على الرجال أيضًا، وإذا اكتشفناها مبكرًا قد نتجنب ويلات الذنب والخزي وانهيار الأسرة.
وأخيرا.. تظل الخيانة انتهاكًا للعهد المقدس بين الزوجين مهما اختلفت الأسباب، لذلك إلى كل رجل وامرأة: لا تستسلموا للجوع العاطفي والجنسي، فالجوع يمنع تمييز المذاق أحيانًا، والطعام المسموم لا يفضح نفسه، لكنه يُميت، الجوع والشبع وجهان للاحتياج وليس للحب، الجوع والشبع لا يخلقان شراكة الروح، الجوع والشبع يختفيان في الحب ويظهر الاكتفاء مع القليل، والراحة مع المثابرة، والتكيف مع النقائص، الحب يكتشف أمراض النفس ويستطيع علاجها مهما طال الزمن، أما الاحتياج فيطلب ما لنفسه، ويرفض المناقشة، ويثور للمواجهة، ويثأر إذا تعرى. وينتقم بلا شفقة.، وحينما يتعرى تتعرى كل الأشياء التي غابت في فورة المشاعر الجائعة، والتعري يجلب الخزي، والخزي يصيبنا بالانكسار، لكن الرجوع للحق يُحررنا، ويمنحنا إرادة التغيير بستر وجبر وترميم ما حطمته فأس الاحتياج ... حان الآن أوان الترميم فلا تتأخروا.
نقلا عن المصرى اليوم