مراد وهبة
إن الثورة العقلانية التى اجتاحت أوروبا مردودة أولًا إلى هولندا حيث كان ديكارت أول فيلسوف يكتب مؤلفاته التى تبنت أفكارها فلاسفة القرن الثامن عشر تحت اسم

«الفلاسفة» والتى كانت بداية عصر الحداثة والتنوير. والمفارقة هنا أن ديكارت نفسه لم يكن معروفًا فى وطنه. وكانت جامعات هولندا وبالذات أوترخت ولايدن مستغرقتين فى صراعات فلسفية لم تشهدها أوروبا من قبل.

وكانت ثمرة هذا الصراع الانقسام الحاد بين المحافظين الذين كانوا من أتباع أرسطو والمبدعين الذين اتسموا بالنزعة الديكارتية والتى تميزت بإحداث ثورة ليس فقط فى الفلسفة بل أيضا فى الفيزياء والفلك والطب فى سياق الرؤية الميكانيكية لدى ديكارت. ومع ذلك فقد كانت مقاومة هذه الثورة موازية لإشعالها التى أفرزنها نظرية كوبرنيكس عن دوران الأرض حول الشمس وبتأييد من جاليليو والتى أصبحت مفتاحًا للفلسفة الجديدة وللرؤية الميكانيكية لديكارت.

وهكذا تكون هولندا مولدة للتيار الأساسى العقلانى الذى انتشر سريعًا فى ألمانيا وشمال أوروبا، والذى قيل إن مصدر تصديره مردود أولًا إلى هولندا فى سياق الديكارتية وإلى انجذاب أعداد هائلة من الطلاب الأجانب وبالذات من ألمانيا والمجر وأسكتلندا وإنجلترا. ومع عام ١٦٥٠ أصبح تأثير الديكارتية واضحًا فى فرنسا. إلا أن البابا كان رافضًا للفلسفة الديكارتية فى سياق رفض الدولة ممثلة فى الملك لويس وهو الأمر الذى أسعد السوربون والآباء اليسوعيين.

إلا أن كبير الفلاسفة فى حينها وهو الأب نيقولا مالبرانش كان منحازًا نحو الفلسفة الجديدة فى كتابه المعنون «البحث عن الحقيقة». وقد رافق هذا الانحياز بزوغ الفكر الراديكالى ابتداء من الثمانينيات من القرن السابع عشر. ومن هنا ظهر سبينوزا الذى كان مثل مالبرانش مغروسًا فى الديكارتية فيما عدا فكرة ثنائية الجوهر المتمثلة فى المادة والروح لدى ديكارت.

أما فى إيطاليا فلم يكن الجدل حول الديكارتية واضحًا حتى السبعينيات من القرن السابع عشر، وبعدها بدأ الجدل حول مبادئ جاليليو والديكارتية. إنه عالم فيزيائى باكستانى مولود فى محافظة جهانج الغربية من لاهور بالينجاب فى ٢٩ ينايرمن عام ١٩٢٦ وكان متفوقًا فى جميع مراحله الدراسية. وفى عام ١٩٤٩ نال درجة الماجستير فى الرياضيات والفيزياء من جامعة كمبردج بإنجلترا ثم درجة الدكتوراه فى عام ١٩٥١ فى كوانتم الكهرومغناطيسية. وقد أحدثت دويًا فى المجتمع الدولى لعلماء الفيزياء.وبعد ذلك عاد إلى وطنه أستاذًا فى جامعة البينجاب بلاهور.

إلا أنه فطن إلى أن مستقبله العلمى لن يكون إلا فى أحضان المراكز البحثية فى الفيزياء النظرية المنتشرة فى أوروبا، ومن ثم اضطر إلى مغادرة وطنه فى عام ١٩٥٤ وفى عام ١٩٥٧ عُين أستاذًا فى الفيزياء النظرية فى إحدى جامعات لندن ثم رئيسًا للمركز الدولى للفيزياء النظرية فى ترستا بإيطاليا والذى كانت الغاية من تأسيسه إدماج طلاب البحث العلمى من دول العالم الثالث فى مجتمع علماء الفيزياء النظرية. وقد كان هذا الإدماج يتسق مع رسالته فى الحياة.

وفى عام ١٩٧١ عُين رئيسًا للجنة الاستشارية فى العلم والتكنولوجيا والمجتمع باليونسكو. وفى عام ١٩٧٢ أصبح نائب رئيس الاتحاد الدولى للفيزياء النظرية والفيزياء العملية.

ويبقى بعد ذلك السؤال الآتى: هل ثمة بُعد اجتماعى لتبرير بزوغ الفكر الراديكالى؟ قبل الثورة الفرنسية تبلور الوعى بمفهوم التطور بفضل الانسيكلوبيديا التى أصدرها معا كل من ديديرو ودالامبير فى سبعة عشر مجلدا. والجدير بالتنويه هنا أن فكر ديديرو نشأ بتأثيرمن التزعة الطبيعية والقدرية ثم أصبح أكثر وعيا بهما مع خبرته الشخصية المتمثلة فى مقاومته للحكومة الملكية المتعسفة. هذا بالإضافة إلى فكرة

«الإرادة العامة» التى بفضلها ميز ديديرو بين الحكومة الملكية التى تحكم بهذه الإرادة والحكومة الطاغية التى تحكم وفقا لمصلحة الطاغية وليس وفقا للخير العام. وفى مقاله المعنون «المواطن» يؤكد ديديرو أن السلطة غير قابلة للقسمة ومن هنا فإنه يرفض التمييز بين الحكومات على أساس أنها ديموقراطية أو ملكية ويقبل التمييز بينها على أساس أنها حرة أو طاغية. وفى نهاية المطاف يمكن القول إن ماهية الفكر العقلانى ابتداء من سبنوزا حتى ديديرو تكمن فى رفض المعجزات والاكتفاء بالخير العام هنا والآن.
نقلا عن المصرى اليوم