محرر الأقباط متحدون
كان مستقبل جامعة الأوربانيانا الحبرية، والذي يناقشه المشاركون في الجمعية غير العادية للدائرة الفاتيكانية للكرازة، محور كلمة البابا فرنسيس خلال استقباله لهم اليوم الجمعة. وتحدث قداسته عن المؤسسات الأكاديمية الكنسية بشكل عام وهذه الجامعة تحديدا وعن ارتباط هويتها بالرسالة.
استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الجمعة ٣٠ آب أغسطس المشاركين في الجمعية العامة غير العادية للدائرة الفاتيكانية للبشارة وتحديدا للقسم الخاص بالكرازة الأولى والكنائس الخاصة الجديدة. ووجه الأب الأقدس في بداية كلمته التحية إلى جميع من أتوا إلى روما من كل القارات للتأمل في هوية ورسالة وتطلعات ومستقبل جامعة الأوروبانيانا الحبرية. كما وأراد البابا تحية الحضور على ما وصفه بالأسلوب السينودسي الذي تبنوه حيث جمعوا في البداية الإسهامات القادمة من مجالس الأساقفة في البلدان التي يشملها عمل الدائرة.
وواصل قداسة البابا أنه يريد هو أيضا تقديم بعض الأفكار حول موضوع الجامعة المذكورة متوقفا عند هوية جامعة الأوربانيانا وذلك انطلاقا مما جاء في الدستور الرسولي Praedicate Evangelium. وتحدث البابا فرنسيس بالتالي عن الرباط بين الهوية والرسالة وقال إن دعوة هذه المؤسسة الأكاديمية قد جعلت هويتها دائما متطابقة مع رسالتها، وأضاف قداسته أن التكوين والتعليم والبحث وحيوية الجامعة هي جزء من الرسالة التي تلقيناها، أي إعلان البشرى السارة لجميع الأمم. وتابع الأب الأقدس أن تطبيق كل هذه العناصر لا يمكن اعتباره أبدا نهائيا بل هو في حركة مستمرة. ووصف البابا التكوين والتعليم والبحث وحيوية الجامعة بأبعاد مفتوحة يجب أن تدع الروح القدس يقودها، الروح القدس الذي يقود التاريخ ويدعونا إلى قراءة الزمن الذي نعيشه.
ثم تطرق البابا فرنسيس إلى الحدس والقيم المؤسِّسة لجامعة الأوربانيانا فقال إنها تظل صالحة، كما هي صالحة المسيرة المتواصلة منذ ٤٠٠ سنة. إلا أنه من الضروري، حسبما واصل الأب الأقدس، أن يترجَم هذا الإرث إلى إجابات مناسبة على القضايا التي يطرحها واقع اليوم على الكنيسة وعلى العالم. وذكَّر قداسته هنا بما كتب في الدستور الرسولي Veritatis gaudium حول الجامعات والكليات الكنسية حين شدد على أن الدراسة الكنسية لا يمكن أن تكتفي بنقل المعارف والكفاءات والخبرات إلى رجال ونساء زمننا، بل عليها الاستجابة للواجب الملح المتمثل في صياغة أدوات فكرية يمكن تقديمها كنماذج عمل وتفكير مفيدة للإعلان في عالم تطبعه تعددية أخلاقية دينية. وتابع الأب الأقدس أننا لا نعيش في مجتمع مسيحي بل نحن مدعوون إلى أن نعيش كمسيحيين في مجتمع اليوم التعددي، كمسيحيين ومنفتحين، أضاف قداسته.
توقف الأب الأقدس بعد ذلك عند تطلعات الجامعة ومستقبلها، وقال إن التأمل في هذا الموضوع ينطلق من التمييز المطلوب من المؤسسات الجامعية التابعة للكرسي الرسولي. وتحدث البابا هنا عن ضرورة الجمع بين الحاجة إلى تحسين جودة العرض التربوي والأبحاث، والترشيد الضروري للموارد البشرية والمالية، ما يعني ضرورة التحلي برؤية قادرة على النظر إلى ما وراء اليوم وعلى أن تأخذ بعين الاعتبار الوضع الكنسي والاجتماعي، حيوية البنى الكنسية واستدامتها، احتياجات الكنائس المحلية، الدعوات إلى الكهنوت والحياة المكرسة، والمؤشرات الديموغرافية في المناطق المختلفة. وتابع البابا فرنسيس هنا مشددا على أن تحديد أهداف بدون بحث جماعي ملائم عن الموارد اللازمة لبلوغها يُحكم عليه بالتحول إلى مجرد خيال، وأضاف أن هناك بالتالي حاجة إلى إبداع صحي للعثور على مسارات ملائمة. وذكَّر الأب الأقدس من جهة أخرى بدعوته خلال لقاء مع الجامعات والمؤسسات الأكاديمية الحبرية في شهر شباط فبراير من العام المنصرم إلى العمل بشكل جماعي، وقال إن هذه الدعوة ليست مجرد حل فني بل هي تعبير عن الاهتمام بأن يتفادى نموذج متجدد للجامعات كجماعات معرفة خطر أن تُختزل الدراسة إلى مجرد دروس واختبارات.
ومن بين ما تطرق إليه البابا فرنسيس في كلمته كون جعل المؤسسات الأكاديمية تتمتع بالجاذبية والقدرة على المنافسة يتطلب أساتذة متفانين وبحثا علميا والقدرة على تقديم إسهام هام للعقيدة. وأضاف قداسة البابا أن الاستخدام الجيد للموارد يعني توحيد المسارات وتقاسم الجامعات للأساتذة وتفادي الإهدار وتنظيم النشاطات بشكل دقيق وتجاوز تطبيقات وبرامج عفا عليها الزمن. وفي حديثه عن جامعة الأوربانيانا تحديدا قال البابا فرنسيس إنه من الهام إبراز بشكل أكبر طبيعتها الإرسالية ومتعددة الثقافات، وذلك كي يكون مَن يتكونون فيها قادرين على استخدام الرسالة المسيحية بشكل متفرد في العلاقات مع الثقافات والأديان الأخرى. وسلط قداسته الضوء من جهة أخرى على حاجتنا إلى رعاة ومكرسين وعلمانيين قادرين على تجسيد إطلاقة إرسالية للكرازة في الثقافات وانثقاف الإنجيل، وهما أمران يسيران جنبا إلى جنب.
هذا وأعرب قداسة البابا في كلمته إلى ضيوفه عن الرجاء أن يتم، وكما حدث في بعض المناطق الآسيوية والصينية، تأسيس مراكز أبحاث في مناطق جغرافية وثقافية مختلفة وتعزيز تلك القائمة بالفعل، هذا إلى جانب توسيع للإكليريكيات ومعاهد اللاهوت في مناطق الرسالة، وتوفير مرافقة مختلفة ولكن متواصلة في حال عدم التمكن من تحقيق هذه الأمور.
وفي ختام حديثه إلى المشاركين في الجمعية غير العادية لدائرة البشارة أراد قداسة البابا فرنسيس توجيه الشكر إلى الجميع على ما يقومون به من عمل خلال أيام جمعيتهم هذه، وأيضا على نشاطهم والتزامهم في الأطر الكنسية المختلفة التي يقدمون فيها خدمتهم. وتضرع الأب الأقدس كي يحفز الروح القدس، بعطية المعرفة، تأملاتهم، وطلب قداسته من جهة أخرى أن ترافقهم مريم العذراء سلطانة الرسالة بشفاعتها الأمومية. ثم ختم البابا فرنسيس مؤكدا صلاته من أجل الجميع سائلا إياهم أن يُصلوا هم أيضا من أجله.