في مثل هذا اليوم 30 اغسطس2006م..
وفاة  نجيب محفوظ، أديب ومفكر مصري حاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1988.

نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا (11 ديسمبر 1911 – 30 أغسطس 2006) كاتب مصري. يُعد أول مصري وعربي حائز على جائزة نوبل في الأدب. كتب نجيب محفوظ منذ الثلاثينات واستمر حتى 2004. تدور أحداث جميع رواياته في مصر وتظهر فيها سمة متكررة، هي الحارة التي تعادل العالم. كتب نجيب محفوظ أكثر من ثلاثين رواية اشتهرت غالبيتها وتم إنتاجها سينمائيًا أو تلفزيونيًا وكانت أول رواياته هي عبث الأقدار (1939)، أما آخرها، فكانت قشتمر (1988)، كما كتب أكثر من عشرين قصة قصيرة وكان آخرها أحلام فترة النقاهة (2004). ومن أشهر أعماله: بداية ونهاية (1949)، والثلاثية (1956–1957)، وأولاد حارتنا (1959)، والتي مُنعت من النشر في مصر منذ صدورها وحتى وقتٍ قريب، واللص والكلاب (1961)، وثرثرة فوق النيل (1966)، والكرنك (1974)، والحرافيش (1977). بينما يُصنف أدب محفوظ باعتباره أدباً واقعياً، فإن مواضيعاً وجودية تظهر فيه. محفوظ أكثر أديب عربي نُقلت أعماله إلى السينما والتلفزيون.

سُمي نجيب محفوظ باسمٍ مُركب تقديراً من والده عبد العزيز إبراهيم للطبيب المعروف نجيب باشا محفوظ الذي أشرف على ولادته التي كانت متعسرة.
تتشابك مسيرة نجيب محفوظ الأدبية مع تاريخ الرواية الحديثة في مصر والعالم العربي. في مطلع القرن العشرين، خطت الرواية العربية خطواتها الأولى في مجتمع وثقافة اكتشفت هذا النوع الأدبي من خلال ترجمة الروايات الأوروبية من القرن التاسع عشر. ومع ذلك، بالنسبة لنجيب محفوظ، فإن مجتمعًا قويًا وقديمًا مثل المجتمع المصري، بعد أن حافظ على التقاليد القديمة أثناء التحديث، يمكنه أن يستوعب ويدمج، دون خوف، بعض جوانب الثقافة الغربية. لأن هذا الكاتب استمع قبل كل شيء، في عمله، إلى هذا الشعب المصري، وإلى مغامراته الحميمة وتاريخه.

تتميز روايات نجيب محفوظ بأسلوب سردي كلاسيكي، يتميز بالتركيز على تصوير الشخصيات والمواقف بطريقة شديدة الواقعية، مع التركيز على العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية في المجتمع المصري، والتجسيد الدقيق للحياة اليومية في مصر. كما يستخدم نجيب محفوظ نمط الرواية الداخلية الذي يسمح للقارئ بمشاهدة العالم من خلال عيون شخصية محورية في الرواية. كما يتميز أسلوب نجيب محفوظ بالتلاعب بالزمن والتركيز على التغيرات التي تحدث في الأحداث والأشخاص مع مرور الوقت.

حياته ونشأته
وُلد نجيب محفوظ في 11 ديسمبر 1911 في حي الجمالية بالقاهرة. والده الذي كان موظفًا لم يقرأ كتابًا في حياته بعد القرآن غير حديث عيسى بن هشام لأن كاتبه المويلحي كان صديقاً له، ووالدته، فاطمة مصطفى قشيشة، ابنة الشيخ مصطفى قشيشة من علماء الأزهر. وكان نجيب محفوظ أصغر إخوته، ولأن الفرق بينه وبين أقرب إخوته سناً إليه كان عشر سنواتٍ، فقد عومل كأنه طفلٌ وحيد. كانت والدته أقرب إليه من والده الذي كان مشغولًا ودائمًا خارج البيت في عمله وقد لازمها في طفولته وكِبره حتي توفيت عام 1968، وهو العام نفسه الذي حصل فيه علي جائزة الدولة التقديرية. كان عمره 7 أعوامٍ حين قامت ثورة 1919 التي أثرت فيه وتذكرها فيما بعد في بين القصرين، أول أجزاء ثلاثيته.

التحق نجيب محفوظ بالكُتاب وتعلم القراءة والكتابة، ثم درس في التعليم العام والتحق بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا) في 1930 وحصل على ليسانس الفلسفة. شرع بعدها في إعداد رسالة الماجستير عن الجمال في الفلسفة الإسلامية، ثم غير رأيه بسبب العمل وقرر التركيز على الأدب. انضم إلى السلك الحكومي ليعمل سكرتيراً برلمانياً في وزارة الأوقاف (1938–1945)، ثم مديراً لمؤسسة القرض الحسن في الوزارة حتى 1954. وعمل بعدها مديراً لمكتب وزير الإرشاد، ثم انتقل إلى وزارة الثقافة مديراً للرقابة على المصنفات الفنية. وفي 1960، عمل مديراً عاماً لمؤسسة دعم السينما، ثم مستشاراً للمؤسسة العامة للسينما والإذاعة والتلفزيون. آخر منصبٍ حكومي شغله كان رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما (1966–1971)، وتقاعد بعدها ليصبح أحد كتاب مؤسسة الأهرام.

حياته الشخصية
تزوج نجيب محفوظ في فترة توقفه عن الكتابة بعد ثورة 1952 من السيدة عطية الله إبراهيم، وأخفى خبر زواجه عمن حوله لعشر سنوات، متعللاً عن عدم زواجه بانشغاله برعاية أمه وأخته الأرملة وأطفالها. في تلك الفترة، كان دخله قد ازداد من عمله في كتابة سيناريوهات الأفلام وأصبح لديه من المال ما يكفي لتأسيس عائلة. أخفى خبر زواجه عن والدته حتى لا تغضب لأنها كانت قد رتبت أمر زواجه من قريبتها الثرية. عاش في البداية مع زوجته في عوامة على النيل وهناك أنجب ابنته الأولى «أم كلثوم»، ثم انتقل إلي شقة على النيل، ثم أنجب ابنته الثانية «فاطمة». لم يُعرف عن زواجه إلا بعد عشر سنواتٍ من حدوثه، عندما تشاجرت إحدى ابنتيه مع زميلة لها في المدرسة، فعرف الشاعر صلاح جاهين بالأمر من والد الطالبة، وانتشر الخبر بين المعارف.

قبل زواجه من عطية الله، عاش نجيب محفوظ العديد من قصص الحب التي وصفها بالفاشلة، والتي دفعته إلى دخول عالم البغاء والاستسلام له، هربًا من فشل مُتوقع في قصة حب أخرى. قال عن تلك الفترة في حوار صحفي له: «كنت من رواد دور البغاء الرسمي والسري، ومن رواد الصالات والكباريهات، ومن يراني في ذلك الوقت يتصور أن شخصًا يعيش مثل هذه الحياة المضطربة، وتستطيع أن تصفه بأنه حيوان جنسي لا يمكن أن يعرف الحب والزواج.. كانت نظرتي إلى المرأة في ذلك الحين جنسية بحتة، ليس فيها أي دور للعواطف أو المشاعر».

مسيرته الأدبية
استوحى نجيب محفوظ من حي الجمالية ومحيطه معظم رواياته وقصصه، والتي شكلت عالمه الخاص ومنها انطلق إلي العالمية. بدأ الكتابة في منتصف الثلاثينيات، وكان ينشر قصصه القصيرة في مجلة الرسالة. كانت أول قصة نشرها بعنوان همس الجنون عام 1938. في 1939، نشر روايته الأولى عبث الأقدار التي تقدم مفهومه عن الواقعية التاريخية. ثم نشر كفاح طيبة في عام 1944 ورادوبيس في عام 1943، منهياً ثلاثية تاريخية في زمن الفراعنة. وبدءاً من 1945، بدأ نجيب محفوظ خطه الروائي الواقعي الذي حافظ عليه في معظم مسيرته الأدبية برواية القاهرة الجديدة، ثم خان الخليلي في عام 1945 وزقاق المدق في 1947. جرب نجيب محفوظ الواقعية النفسية في رواية السراب (1948)، ثم عاد إلى الواقعية الاجتماعية مع بداية ونهاية (1949) وثلاثية القاهرة (1956–1957). فيما بعد، اتجه محفوظ إلى الرمزية في رواياته الشحاذ (1965) وأولاد حارتنا (1959) التي سببت ردود فعلٍ قوية وكانت سبباً في التحريض على محاولة اغتياله. كما اتجه في مرحلة متقدمة من مشواره الأدبي إلى مفاهيم جديدة كالكتابة على حدود الفنتازيا كما في روايته الحرافيش (1977) وليالي ألف ليلة (1982)، وكتابة البوح الصوفي والأحلام كما في كتاب أصداء السيرة الذاتية (1994) وأحلام فترة النقاهة (2004)، واللذان اتسما بالتكثيف الشعري وتفجير اللغة والعالم. وتُعتبر مؤلّفات محفوظ من ناحية بمثابة مرآة للحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، ومن ناحية أخرى يمكن اعتبارها تدويناً معاصراً لهم الوجود الإنساني ووضعية الإنسان في عالم يبدو وكأنه هجر الله أو هجره الله، كما أنها تعكس رؤية المثقّفين على اختلاف ميولهم إلى السلطة.

توقف نجيب محفوظ عن الكتابة بعد الثلاثية، ودخل في حالة صمت أدبي، انتقل خلاله من الواقعية الاجتماعية إلى الواقعية الرمزية. ثم بدأ نشر روايته الجديدة أولاد حارتنا في جريدة الأهرام في 1959، وفيها استسلم نجيب لغواية استعمال الحكايات الكبري من تاريخ الإنسانية في قراءة اللحظة السياسية والاجتماعية لمصر ما بعد الثورة، ليطرح سؤال على رجال الثورة عن الطريق الذي يرغبون في السير فيه (طريق الفتوات أم طريق الحرافيش؟). وأثارت الرواية ردود أفعالٍ قوية تسببت في وقف نشرها والتوجيه بعدم نشرها كاملة في مصر، رغم صدورها في 1967 عن دار الآداب اللبنانية. جاءت ردود الفعل القوية من التفسيرات المباشرة للرموز الدينية في الرواية، وشخصياتها أمثال: الجبلاوي، أدهم، إدريس، جبل، رفاعة، قاسم، وعرفة. وشكل موت الجبلاوي فيها صدمة عقائدية لكثير من الأطراف الدينية.

أولاد حارتنا واحدة من أربع رواياتٍ تسببت في فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للأدب، كما أنها كانت السبب المباشر في التحريض على محاولة اغتياله. وبعدها، لم يتخل تماماً عن واقعيته الرمزية، فنشر ملحمة الحرافيش في 1977، بعد عشر سنواتٍ من نشر أولاد حارتنا كاملة.

كما أنه قد رفض نشرها بعد ذلك، حرصا على وعد قطعه للسيد كمال أبو المجد مندوب الرئيس عبد الناصر بعدم نشر الرواية داخل مصر.

التقدير النقدي
مع أنه بدأ الكتابة في وقتٍ مبكر، إلا أن نجيب محفوظ لم يلق اهتماماً حتى قرب نهاية الخمسينيات، فظل مُتجاهلاً من قِبل النُقاد لما يُقارب خمسة عشر عاماً قبل أن يبدأ الاهتمام النقدي بأعماله في الظهور والتزايد. رغم ذلك، كتب سيد قطب عنه في مجلة الرسالة في 1944، وكان أول ناقد يتحدث عن رواية القاهرة الجديدة، واختلف مع صلاح الدين ذهني بسبب رواية كفاح طيبة.

وكتب عنه محمد الجوادي في ظلال السياسة: نجيب محفوظ الروائي بين المثالية والواقعية، وهو دراسة أدبية نقدية تحليلية. وكتبت عنه جريدة الحياة في ذكرى وفاته الثامنة: من هو نجيب محفوظ.

السفر إلى الخارج
عُرف عن الأديب الكبير نجيب محفوظ ميله الشديد لعدم السفر إلى الخارج لدرجة أنه لم يحضر لاستلام جائزة نوبل وأوفد إبنته لاستلامها. ومع ذلك، فقد سافر ضمن وفد من الكُتاب المصريين إلى كل من اليمن ويوغوسلافيا في مطلع الستينيات ومرة أخرى إلى لندن لإجراء عملية جراحية في القلب عام 1989.

محاولة اغتياله
في 21 سبتمبر 1950، بدأ نشر رواية أولاد حارتنا مُسلسلةً في جريدة الأهرام، ثم توقف النشر في 25 ديسمبر من العام نفسه بسبب اعتراضات هيئات دينية على "تطاوله على الذات الإلهية". لم تُنشر الرواية كاملة في مصر في تلك الفترة، واقتضى الأمر ثمان سنين أخرى حتى تظهر كاملة في طبعة دار الآداب اللبنانية التي طبعتها في بيروت عام 1967. وأُعيد نشر أولاد حارتنا في مصر في عام 2006 عن طريق دار الشروق.
في أكتوبر 1995، طُعن نجيب محفوظ في عنقه على يد شابين قد قررا اغتياله لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل. الجدير بالذكر هنا أن طبيعة نجيب محفوظ الهادئة كان لها أثر كبير في عدم نشر الرواية في طبعة مصرية لسنوات عديدة، حيث كان قد ارتبط بوعد مع حسن صبري الخولي (الممثل الشخصي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر) بعدم نشر الرواية في مصر إلا بعد أخذ موافقة الأزهر. فطُبعت الرواية في لبنان من إصدار دار الآداب عام 1962 ومُنع دخولها إلى مصر، رغم أن نسخًا مهربة منها وجدت طريقها إلى الأسواق المصرية. لم يمت نجيب محفوظ كنتيجة للمحاولة، وفيما بعد أُعدم الشابان المشتركان في محاولة الاغتيال رغم تعليقه بأنه غير حاقدٍ على من حاول قتله، وأنه يتمنى لو أنه لم يُعدما. وخلال إقامته الطويلة في المستشفى، زاره محمد الغزالي الذي كان ممن طالبوا بمنع نشر أولاد حارتنا وعبد المنعم أبو الفتوح، القيادي السابق في حركة الإخوان المسلمين، وهي زيارة تسببت في هجوم شديد من جانب بعض المتشددين على أبو الفتوح.

الوظائف التي التحق بها نجيب محفوظ
سيكرتير برلماني.
مدير مؤسسة القرض الحسن في وزارة الأوقاف.[1]
مدير مكتب وزير الإرشاد.
مدير للرقابة على المصنفات الفنية.
مدير مؤسسة دعم السينما.
رئيس مجلس الإدارة العامة للسينما.

وفاته
تُوفي نجيب محفوظ في 30 أغسطس 2006 عن عمر ناهز 95 عامًا، إثر قرحة نازفة بعد عشرين يوماً من دخوله مستشفى الشرطة في حي العجوزة في محافظة الجيزة لإصابته بمشكلات صحية في الرئة والكليتين. وكان قبلها قد دخل المستشفى في يوليو من العام ذاته لإصابته بجرح غائر في الرأس إثر سقوطه في الشارع.