محرر الأقباط متحدون
استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم السبت في الفاتيكان مدراء وموظفي شركة "تيرنا" الإيطالية ووجه لهم خطاباً سلط فيه الضوء على أهمية الطاقة الكهربائية في حياتنا اليوم مشددا على ضرورة الاعتماد على الطاقات النظيفة والمتجددة وأضاف أن الشبكة الكهربائية هي أيضا صورة جميلة للتعاون بين البشر وللعلاقة بين الجزء والكل.
استهل البابا كلمته مرحباً بضيوفه ومعرباً عن سروره للقائهم، لافتا إلى أن شركة "تيرنا" تلعب دورا هاما في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في إيطاليا وأوروبا وبلدان أخرى. وأضاف أن الشركة تنشط في قطاع حيوي، ألا هو إدارة الشبكة الكهربائية، وتوفر الطاقة يومياً لكل مواطن. وأكد أن ضيوفه يعملون من أجل الخير العام ومن أجل مصلحة الجميع وكل فرد. وقال: عندما نضيء النور في بيتنا لا ندرك أن هذا الأمر يتحقق بفضل عمل العديد من الأشخاص، وبفضل ذكائهم وكفاءاتهم، وتضحياتهم أيضا، مضيفاً أنه لا ينسى من ذهبوا ضحايا حوادث العمل، ودعا إلى بذل الجهود الكفيلة بتفادي تلك الحوادث.
تابع الحبر الأعظم يقول إن مدراء وموظفي شركة "تيرنا" ملتزمون في توليد الطاقة النظيفة، واستخدام المصادر المتجددة ووسائل حديثة لإنتاجها واستخدامها. ولفت إلى وجود طاقات "قذرة" على كوكب الأرض، لكونها ترتكز إلى المصادر الأحفورية لا إلى تلك المتجددة. وهي قذرة أيضا بسبب الكثير من أوضاع الظلم، والحروب التي تولد وتتغذى نتيجة الجوع إلى الطاقة، قذرة بسبب علاقات العمل المجحفة، والأرباح الكبيرة التي تنحصر بأيادي قلة قليلة من الأشخاص، فضلا عن وتيرة العمل المكثفة التي تنعكس سلباً على العلاقات وعلى نفس الأشخاص. واعتبر البابا في هذا السياق أن الطاقة الجيدة ليست مسألة تكنولوجية بحتة، إذ لا بد أن يصبح إنتاج الطاقة واستهلاكها أكثر إنصافاً واشتمالية.
وتحدث فرنسيس بعدها عما سماه بالديمقراطية الطاقوية، مشيرا إلى أنها تشكل اليوم تحدياً متعدد الأبعاد، وقال إننا لا نستطيع أن نكون مواطنين أسياداً إذا ما بقينا خاضعين لمتطلبات الطاقة، لذا من الأهمية بمكان أن يُعزز ويُشجع انتشار جماعات طاقوية، تعبر عن تطلعات المواطنين واحتياجاتهم.
هذا ثم لفت البابا إلى أن ضيوفه يعملون في قطاع مقرر بالنسبة لنوعية الحياة ولبقاء كوكب الأرض، ومن هذا المنطلق إنهم يتحملون مسؤولية كبيرة. وقال إن الإصغاء للتساؤلات والإجابة عنها يتطلبان مسؤولية، حتى بغياب أجوبة ملموسة عليها. وتحدث فرنسيس عن أهمية فنّ إدارة الصراعات، تفادياً لتفجرها، مدركين أن الحل لا يكمن في هيمنة طرف ما على طرف آخر، بل يوجد في التحديث التكنولوجي والإبداع.
بعدها أشاد فرنسيس بالجهود التي تبذلها الشركة من أجل تعزيز الشفافية، كي يرى الجميع كيف تعمل وكيف توزّع الأرباح وتُنفذ الاستثمارات. ولفت إلى وجود "لجنة خلقية" ضمن الشركة، مضيفا أنه أمر إيجابي ومشدداً على ضرورة أن توجد لجنة من هذا النوع في كل شركة كبيرة وفي كل مصرف. ومن الأفضل أن يكون أعضاؤها بعيدين عن أصحاب الشركة وأن تضم أيضا ممثلين عن العمال والموظفين.
لم تخل كلمة الحبر الأعظم من الحديث عن أهمية عبارة "شبكة كهربائية" للإشارة إلى المنشآت والروابط المتواجدة على التراب الوطني. وقال إن عبارة "شبكة" تُستخدم كثيراً في يومنا هذا، وقد فهمنا معناها بفضل التفكير بالشبكة الكهربائية والتي هي عبارة عن منظومة معقدة، تترابط ضمنها الأجزاء، وحيث يمكن أن يصل التيار الكهربائي إلى أبعد بيت، لأنه توجد وراء هذا السلك منظومة كاملة تدعمه. وأضاف أن الشبكة هي أيضا صورة جميلة للتعاون بين البشر وللعلاقة بين الجزء والكل.
مضى البابا إلى القول إن شركة "تيرنا" تمكنت منذ بضع عقود من إيصال التيار الكهربائي إلى بيوت الفقراء، الذين رحبوا مصفقين بالعواميد والأسلاك التي تعبر الحقول، كمن يستقبل هبة كبيرة. وأضاف أنه يتعين علينا أن نعود إلى روايات أجدادنا الذين كانوا فلاحين، إلى اليوم الذي ضغطوا فيه على أحد الأزرار وأُضيء المنزل كله فجأة. كثيرون منهم في تلك الليلة تلوا الصلاة شاكرين الله على هذه المعجزة التي حسّنت حياتهم، والتي سمحت للأبناء بالدراسة بشكل أفضل وأتاحت إمكانية الاستحمام بالمياه الساخنة. ولفت البابا إلى أنه ما يزال يوجد اليوم، في بعض قرى أفريقيا وآسيا، فتيان يتجمعون تحت عواميد الإنارة كي يدرسوا لأنهم يفتقرون إلى التيار الكهربائي في بيوتهم. وقال إنه ليس من قبيل الصدفة أن البنى التحتية الكهربائية في المدن هي الأولى التي تُستهدف في زمن الحرب، لأنه بهذه الطريقة تُستهدف مباشرة حياة العائلات، وتُضعف معنويات الناس.
في ختام كلمته إلى مدراء وموظفي شركة "تيرنا" الإيطالية أكد البابا فرنسيس لضيوفه أن العمل هو أيضا فعلٌ من المحبة المجتمعية، ومن والأخوة المدنية. وأضاف أنهم يقومون بإنتاج وتوزيع الطاقة مستخدمين ذكاءهم وقلبهم ويبذلون نفسهم بمحبة. وشدد على ضرورة أن يتذكر الناس هذا الأمر وأن يشكروا دوماً الأشخاص الذين يوفرون لهم هذه الطاقة. هذا ثم منح البابا الجميع بركته الرسولية طالباً منهم أن يصلوا من أجله.