الأب رفيق جريش
على الرغم من أن رسالة التعليم وخاصة مجانية التعليم، كانت تقوم على المبادئ الإنسانية والروحية التى تعزز قيم المساواة والعدل والازدهار العلمى والثقافى والاجتماعى. فإن بعض الجامعات والمدارس الخاصة قد انحرفت عن هذه الرسالة السامية، وسعت إلى تحويل التعليم إلى تجارة بحتة غير عابئة بالنتائج الوخيمة التى تترتب على هذه السياسات الجائرة. إن هذا الارتفاع غير المبرر فى الأقساط لا يقتصر تأثيره على الشق الاقتصادى فحسب، بل يمس جوهرالمجتمع المصرى، حيث يؤدى إلى تهميش شريحة كبيرة من المواطنين، وحرمانهم من حقهم الأساسى فى التعليم الجيد. وفى ظل الارتفاع الجنونى وغير المبرر فى أقساط الجامعات وبعض المدارس الخاصة فى مصر، نجد أنفسنا أمام تحديات خطيرة تمس جوهر رسالة التعليم فى وطننا.
فالتعليم، الذى كان يوما أداة لتحقيق العدالة والمساواة بين الجميع، يتحول اليوم رويدا رويدا إلى سلعة نخبوية تُباع وتُشترى، مما يخلق طبقية تربوية غير مقبولة ويعزز الانقسامات الاجتماعية التى تعصف ببلدنا. إن حق التعليم يجب ألا يكون مرهونا بقدرة العائلات على دفع الأقساط المتضخمة التى تزداد عاما بعد عام دون مبرر حقيقى، مما يضع عبئا إضافيا على كاهل الأسر المصرية التى تعانى أصلا من أزمة اقتصادية خانقة. وهنا، ومنعا للتعميم المجحف، نشكر الجامعات والمدارس التى حافظت على الاتزان فى تحديد الأقساط وأخذت أوضاع الناس القاسية بعين الاعتبار.
إننا نؤكد أن التعليم يجب أن يكون حقا للجميع، دون تمييز أو تفرقة. ومن هنا ندعو إلى تعزيز دور الجامعات المصرية والمدارس الرسمية فى مصر، ورفع مستواها لتكون خيارًا موازيا وقويا أمام الجامعات والمدارس الخاصة. إن الواقع يثبت أن الجامعة والعديد من المدارس الرسمية قد حققت نجاحات باهرة وتفوقت فى مستواها التعليمى على بعض الجامعات والمدارس الخاصة، مما يدحض الادعاء بأن الجامعة المصرية والمدارس الرسمية أقل كفاءة أو جودة. لذلك، يجب أن نعمل جميعًا على دعمها وتوفير الإمكانيات والموارد اللازمة لها لتستمر فى أداء دورها التربوى والاجتماعى على أكمل وجه.
لا ينبغى أن يخجل الأهالى من إرسال أبنائهم إلى المؤسسات التربوية الرسمية التى تستوفى المعايير التربوية والتعليمية المطلوبة. إن الاعتزاز بهذه المؤسسات الوطنية هو خطوة أساسية نحو تعزيز الثقة بالنظام التعليمى المصرى، وتحقيق العدالة التعليمية التى هى حجر الزاوية فى بناء مجتمع سليم ومتوازن.
لا ينبغى على وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالى أن تشجع هذا الانحراف بدعوى قلة الموارد المالية لديها بل المنوط بها أن تحقق التوازن ليس المالى فقط ولكن الطبقى بين جميع المصريين فلا يعقل أن من معه المال الوفير يعلم ابناءه تعليما يقال راقيا رغم انه فى الواقع الاليم ينتج شبابا وطلبة متغربين عن مجتمعهم المصرى والواقع المعيش ومن جانب آخر الطلبة من أبناء محدودى الدخل يظلون يحفرون الصخر.
نحن تعتبر أن هذا الارتفاع الفاحش فى الأقساط بلا مبرر منطقى هو بمثابة شوكة فى ظهر المجتمع المصرى وعلى أجياله الصاعدة، قد تهدف إلى دفعهم نحو الياس والإحباط ووقف التفكير ببناء عائلة، والاستسلام لهاجس الهجرة كحل للهروب من هذا الواقع المرير. إننا نرفض هذه السياسات الجشعة التى تسعى إلى تدمير أحلام الأجيال القادمة ونطالب المسئولين والمعنيين بالتحرك الفورى لوضع حد لهذه الأزمة، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان حق التعليم للجميع، بعيدًا عن استغلال حاجات الناس وتحويل التعليم إلى رفاهية لا يقدر عليها سوى القليلين.
نحن نؤمن إيمانا راسخا أن التعليم هو الحجر الأساس فى بناء مستقبل مصر وأن ضمان حق الجميع فى الحصول على تعليم جيد وعادل هو مسئولية وطنية وأخلاقية تقع على عاتق الدولة أولا، وعلى عاتقنا جميعًا لذلك.
نقلا عن الشروق