سامح فوزي
أصدر وزير الإسكان المهندس شريف الشربينى قرارًا فى الاجتماع الذى عقده يوم الأحد مع عدد من قيادات الوزارة، وهيئة المجتمعات العمرانية، يقضى بفتح الباب أمام المواطنين الذين وصفهم بـــ «الملتزمين بالتنفيذ طبقا للترخيص الصادر، ولم يقوموا بالمخالفة» للتقدم بطلب زيادة النسب البنائية لغرف السطح بدءًا من شهر ديسمبر المقبل. تتبعت الخبر الخاص بهذا الاجتماع، وما ورد فيه من قرارات، وجدته بنفس الصيغة فى كل المواقع الإلكترونية، مما يعنى أن هناك بيانًا بهذا الشأن أعدته وزارة الإسكان، ووزعته على وسائل الإعلام.
وحتى نفهم القصة منذ بدايتها. فإن الفيلات بالمدن الجديدة، خطط لها أن تتكون فى الأصل من بدروم وطابقين أرضى وأول، ثم فى مرحلة لاحقة سُمح لمن يرغب ــ بعد سداد رسوم إضافية ــ ببناء دور آخر متكرر، وقد ظلت هذه الرسوم لسنوات موضع نزاع قضائى بين المواطنين وأجهزة المدن الجديدة، وصدرت أحكام لمواطنين باستردادها إلى أن أصبحت مقننة، وارتفعت كثيرًا عما كانت قبل ذلك. اليوم، بموجب القرار المشار إليه، أصبح من حق المُلاك الملتزمين حسب وصف الخبر المنشور أن يتقدموا بطلب لزيادة النسبة البنائية لغرف السطح، والتى تبلغ الآن 25% من مساحة المبنى. وحتى لا يتوه الموضوع، فإن غرف السطح تمثل ربع مساحة مسطح المبنى، وتُخصص للخدمات، وتسمى أحيانا «غرف الغسيل»، ولكن هناك من حول غرف السطح إلى شقة مستقلة، وارتكب مخالفة توسيع لها بما يتجاوز نسبة 25% المقررة، وهناك من التزم بالمساحة المقررة، وهم الآن يحق لهم حسب القرار التقدم بطلبات لتوسيع النسبة البنائية.
هناك العديد من المواطنين عبروا عن سعادتهم بالقرار على وسائل التواصل الاجتماعى، ووجدوا فيه تقديرا لهم لأنهم لم يخالفوا تراخيص البناء مثل غيرهم، وهلل البعض للقرار على اعتبار أنه سوف يسمح لهم ببناء كامل مساحة السطح «الرووف»، رغم أن الخبر المنشور لم يذكر ما سوف تكون عليه النسبة البنائية لغرف السطح بعد توسيعها، ولكن هناك وجها آخر سلبيا للقرار لن يعبر عنه المستفيدون، ويتصل بفلسفة التخطيط العمرانى ذاتها، وليس بمصالح بعض المُلاك أو شركات التطوير العقارى. وأظن أن الغالبية العظمى من المستفيدين هم المطورون العقاريون، وليس أصحاب الفيلات.
يفتح القرار الباب ــ من وجهة نظر أخرى ــ أمام الإخلال بقواعد التخطيط العمرانى للمدن الجديدة، لأنه يعنى ــ بصورة غير مباشرة ــ إضافة طابق جديد إلى الفيلات مما يزيد من الكثافة السكانية، والأعباء على المرافق العامة، فضلا عن أن القرار يناقض فلسفة التعاقد بين هيئة المجتمعات العمرانية وبين المواطنين الذين اختاروا وضعا سكنيا معينا لهم. فمن اختار أن يقيم فى مناطق الفيلات فى المدن الجديدة، فضل نمطًا من السكن يسوده الهدوء، وقلة عدد السكان بحكم عدم ارتفاع المبانى، وهناك من اختار السكن فى عمارات تتكون من عدة أدوار متكررة؛ حيث يظل لكل نمط من السكن تكلفته المالية والاجتماعية بالنسبة للسكان، أما أن نتخذ قرارات تفضى إلى تحويل الفيلات إلى عمارات سكنية، يصل ارتفاعها إلى أربعة أدوار بخلاف البدروم، فهذا يُعد إخلالا بالتنسيق العمرانى، ويتسبب فى إضافة أشكال بنائية تفتقر إلى التناسق، لأن من سوف يقوم بتوسيع غرف السطح، سوف يضيف بالتأكيد إلى ما هو قائم، وشتان بين إقامة بناء متناسق منذ البداية، وبين بناء آخر جرى توسعته دون تخطيط مسبق.
واقع الحال لا يوجد مبرر لتوسيع النسبة البنائية لغرف السطح لأن من اختار أن يسكن فى فيلا يعرف مسبقًا نظام البناء، وما يتضمنه من مساحة غرف السطح، وأقام المبنى على هذا الأساس، ولا يصح أن نقنن وضع المخالف، ونفتح الباب أمام مخالفة مقننة لإثابة المواطن الملتزم. يبدو أن الهدف هو جمع مزيد من المال فى صورة «رسوم بناء» لتوسعة غرف السطح، تحت شعار تنمية الموارد. أظن أن هناك أساليب عديدة يمكن للمدن الجديدة أن تلجأ إليها لتطوير مواردها دون الإخلال بالشكل العمرانى لأحياء بأكملها.
نقلا عن الشروق