ماهر الجاولي: شيكاجو
في تقرير لها في بداية شهر سبتمبر الحالي، رسمت صحيفة نيويورك تايمز بريشة محررتها في القاهرة "فيفيان يي" صور متنوعة للحياة في القاهرة الأن، عكست الصور ظلالاً قاتمة علي المواطن المصري الذي بات فريسة للوضع الإقتصادي المتدهور والذي جعل الحياة أكثر بؤساً للطبقات المتوسطة والفقيرة.

الصورة الأولي: ليلة صيف شديدة الحرارة يسودها الظلام لساعات طويلة بناءأ علي أوامر الحكومة لتقليل إستهلاك الكهرباء، بينما يفر الناس إلي شوارع وسط البلد للتسكع أمام واجهات المحلات شبه المظلمة والتي تغلق أبوابها بحلول العاشرة مساءأ – أيضاً - حسب أوامر الحكومة، لكن المصريون - المعروف عنهم الولع الشديد بالسهر خاصة في ليالي الصيف القائضة – تحايلوا علي الحكومة وإلتجأؤا إلي حي السيدة زينب حيث الأضواء الفسفورية التي تزين الميدان والضريح، وإصطفوا علي مقاعد المقاهي المضاءة في الحي الديني السياحي بعد صلاة العشاء وحتي ساعات الصباح الباكر.

وفي محاولة لفهم الموقف المتأزم، تضع محررة نيويورك تايمز يديها علي بعض أسباب الأزمة الإقتصادية في مصر قائلة: تحاول الحكومة المصرية في السنين الأخيرة الحصول علي الدولار لسد العجزالإقتصادي، مما جعل الحياة بائسة للجميع باستثناء الأغنياء، وتعزو المحررة أسباب غرق البلاد في ظلام دامس معظم الليل إلي نقص حاد في الغاز الطبيعي مما استدعى إنقطاع التيار الكهربائي اليومي على مستوى البلاد، بإستثناء محلات البقالة والصيدليات.  

الصورة الثانية: أثرياء القاهرة يعيشون في الضواحي الواسعة ذات المساكن الباهظة الثمن، ويتنقلون في سيارات مكيفة إلي مولات مكيفة، أو يرسلون بوابيهم لقضاء مشاويرهم بدلاً عنهم.

الصورة الثالثة: تجاوزت الساعة العاشرة وبدأت علامات الأمتثال لأوامر الحكومة حيث تجوب الشرطة الشوارع الرئيسية كل ليلة لتنفيذ أوامر الحكومة بإغلاق المحلات، بينما تسرع هند أحمد 51 عاماُ لإلتقاط ملابس من الخياط الملاصق لمسجد السيدة زينب، بينما تمتم صديقتها وفاء إبراهيم 46 عامًا قائلة: "لا أخرج للتسوق حتي لا أكتئب".

الصورة الرابعة: يسود السكون والكأبة البلاد، بشهادة  سعيد محمود، 41 عامًا، والذي يعمل من الظهر حتى وقت الإغلاق في محل والده الصغير بالقرب من مسجد السيدة زينب حيث يقول: "الجميع ميت من الداخل. لقد استسلموا وهم منهارون. ما تراه أمامك هو أشخاص موتى يمشون"، وراح يؤكد قائلاُ في حسرة شديدة: المصريون يمزحون للتكيف مع ما لا يمكنهم تغييره.

وفي محاولتها لشرح الصورة القاتمة أشارت محررة نيويورك تايمز إلي أحدث الإحصاءات الرسمية حيث تقول إن أقل من 30 في المائة من المصريين يعيشون في فقر منذ جائحة كورونا وتفاقم الأزمات الإقتصادية العالمية، ثم جاءت الطامة الكبري من صندوق النقد الدولي والذي ألزم الحكومة المصرية على قطع دعم الخبز والغاز والكهرباء والتي تعد حيوية للكثير من المصريين الفقراء.

الصورة الخامسة: محل الحلاقة الخاص بأحمد عاشور، الملقب تيتو، عادةً ما يبقى المحل مفتوحًا من الساعة السابعة مساءً حتى الخامسة صباحًا طوال الصيف ويأتي الزبائن من أنحاء الحي لقص شعورهم، بينما ينتظر أخرون دورهم مع أكواب لا تنتهي من القهوة والشاي. الآن يعبرون سريعاً من أمام المحل ولا يأتون للحلاقة كعادتهم السابقة، ويضيف تيتو في حسرة قائلاُ: بعض الزبائن تعلموا قص شعورهم بأنفسهم في المنزل للتوفير.

الصورة السادسة: في زقاق قريب من مسجد السيدة زينب كان حسني محمد، 67 عامًا، يغلق محل النظارات الذي يتقاضى فيه راتبًا صغيرًا من الساعة 10 صباحًا حتى الساعة 10 مساءً، قال، بالكاد يأتي أحد في هذه الأيام، موضحاُ في فلسفة سوداء قائلأ: ربما ينام الزرق، لكنه أبداً لا يموت، تماماً مثل مصر تتعب، لكنها لا تموت.