محرر الأقباط متحدون
في إطار زيارته الرسولية إلى إندونيسيا توجه البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس إلى مسجد الاستقلال في العاصمة جاكرتا حيث عُقد لقاء بين الأديان تحدث خلاله الأب الأقدس عن ضرورة أن تكون القيم المشتركة مرجعا من أجل مجتمعات أكثر أخوة وسلاما.

خلال اللقاء بين الأديان الذي عُقد في مسجد الاستقلال في العاصمة الإندونيسية جاكرتا صباح اليوم الخميس ٥ أيلول سبتمبر، وجه قداسة البابا فرنسيس كلمة أعرب في بدايتها عن سعادته لوجوده هنا مع الحاضرين جميعا. ثم وجه التحية إلى الإمام الأكبر وشكره على كلمته والتي ذكَّر فيها بأن هذا المسجد هو أيضا بيت كبير للإنسانية يمكن لكل شخص أن يدخله ويتوقف مع نفسه مانحا فسحة إلى التوق إلى اللامتناهي الذي يحمله في قلبه بحثا عن لقاء ما هو إلهي وعيش الفرح والصداقة مع الآخرين.

ثم أشار البابا فرنسيس إلى أن مصمم هذا المسجد هو المعماري المسيحي فريديريك سيلابان الذي فاز في مسابقة لهذا الغرض، وقال الأب الأقدس أن هذا يؤكد أن المسجد، مثل أماكن العبادة الأخرى، هو في تاريخ هذه الأمة، وفيما تتنفس من ثقافة، فسحة حوار واحترام متبادل وتعايش متناغم بين الأديان والمشاعر الروحية المختلفة. ووصف الأب الأقدس هذا بعطية داعيا إلى تنميتها كي تكون الخبرة الدينية مرجعا لمجتمع أخوي وسلمي ولا أبدا مبررا للانغلاق أو الصدام.

توقف الأب الأقدس بعد ذك عند تشييد نفق الأخوّة الذي يربط بين مسجد الاستقلال وكاتدرائية القديسة مريم سيدة الانتقال، ووصفه البابا بعلامة بَيِّنة تُمَكن مكانَي العبادة لا فقط من أن يكونا واحدا أمام الآخر بل واحدا متصلا بالآخر. وأضاف أن هذا الممر هو ما يُمكن من اللقاء والحوار ويوفر فرصة ملموسة لاكتشاف ونقل صوفية العيش معا والتمازج والتلاقي والمشاركة في هذا المد غير المنظم بعض الشيء والذي يمكنه أن يتحول إلى خبرة حقيقية للأخوّة وقافلة تضامن وحج مقدس. وأراد البابا فرنسيس هنا التشجيع على مواصلة السير على هذا الطريق كي نتمكن جميعا، كلٌّ بروحانيته وبممارسة دينه، من السير بحثا عن الله ومن الإسهام في بناء مجتمعات منفتحة تقوم على الاحترام والمحبة المتبادلَين قادرة على عزل التشدد والأصولية والتطرف والتي هي دائما خطيرة ولا يمكن أبدا تبريرها.

هذا وأراد البابا فرنسيس التأمل في نقطتين من أجل تشجيع مسيرة الوحدة والتناغم التي بدأت في إندونيسيا. وتحدث قداسته أولا عن النظر دائما إلى الأعماق، ففقط هناك يمكن العثور على ما يوحد بغض النظر عن الاختلافات. وقال في هذا السياق إنه وبينما يوجد على السطح المسجد والكاتدرائية واضحا المعالم واللذان يقصدهما المؤمنون فإنه تحت الأرض وعلى طول النفق يلتقي هؤلاء الأشخاص المختلفون ذاتهم ويمكنهم الوصول إلى العالم الديني للآخر. ويُذكِّرنا هذا حسبما واصل قداسة البابا فرنسيس بأن الجوانب المرئية للأديان من طقوس وممارسات هي إرث تقليدي يجب حمايته واحترامه، إلا أن ما هو في الأسفل، ما يجري تحت الأرض مثل نفق الصداقة، ما يمكن اعتباره الجذر المشترك للمشاعر الدينية كافة، يبقى شيئا واحدا، ألا وهو البحث عن اللقاء مع ما هو إلهي والتوق الذي وضعه الله العلي في قلوبنا إلى اللانهائي، البحث عن فرح أكبر وحياة أقوى من أي موت وهو ما يحفز سير حياتنا ويدفعنا إلى الخروج من ذاتنا للقاء الله. دعا الأب الأقدس بالتالي إلى تذكر أننا بالنظر إلى الأعماق ولمس ما يجري في دواخل حياتنا والتطلع الذي يسكن أعماق قلبنا إلى الملء نكتشف كوننا جميعا أخوة وأننا حجاج وجميعنا في سير نحو الله وذلك بغض النظر عن الفوارق بيننا.

أما النقطة الثانية التي أراد البابا فرنسيس التأمل فيها والدعوة إليها في كلمته فكانت الاهتمام بالروابط. وذكَّر في هذا السياق بأن النفق قد شُيد ليربط بين مكانين مختلفين، فهذا ما يفعل الممر التحت أرضي، يربط، أي يخلق رباطا، قال البابا. وتابع قداسته أننا نعتقد أحيانا أن اللقاء بين الأديان هو أمر يتعلق بالبحث بأي ثمن عن نقاط مشتركة بين العقائد والمذاهب الدينية المختلفة، وأضاف أنه من الممكن لمثل هذه المقاربة أن تؤدي في النهاية إلى التفرقة بيننا، وذلك لأن عقائد كل خبرة دينية هي مختلفة. ما يقربنا بالفعل، واصل البابا فرنسيس، هو خلق رباط بين اختلافاتنا والاهتمام بتأسيس روابط صداقة وانتباه وتبادلية. تحدث قداسته بالتالي عن علاقات ينفتح فيها كل واحد على الآخر ونلتزم فيها بالبحث معا عن الحقيقة متعلمين أحدنا من تقاليد الآخر الدينية والتوافق أمام الضروريات الإنسانية والروحية. ووصف البابا هذه بروابط تُمَكننا من العمل معا والسير متحدين لبلوغ أهداف ما، للدفاع عن كرامة الإنسان، لمكافحة الفقر ولتعزيز السلام. إن الوحدة تولد من الروابط الشخصية، قال الأب الأقدس، روابط الصداقة والاحترام المتبادل والحماية المتبادلة لفسحات الآخر وأفكاره.

توقف البابا فرنسيس بعد ذلك عند "تعزيز التناغم الديني من أجل خير البشرية" باعتباره ما نحن مدعوون إليه، مذكرا بأن هذا هو أيضا عنوان الإعلان المشترك الذي تمت صياغته لهذه المناسبة والذي نواجه فيه بمسؤولية، قال الأب الأقدس، الأزمات الخطيرة بل والمأساوية في بعض الأحيان التي تهدد مستقبل البشرية، وبشكل خاص الحروب والنزاعات والتي يغذيها أيضا ومع الأسف استغلال الدين، قال البابا، وأيضا الأزمة البيئية والتي أصبحت عائقا أمام نمو الشعوب وتعايشها. وواصل قداسته مشددا على أنه من الهام أمام هذا المشهد أن يتم تعزيز وتقوية القيم المشتركة لكل التقاليد الدينية لمساعدة المجتمع على هزيمة ثقافة العنف واللامبالاة وتعزيز المصالحة والسلام.

هذا وأراد البابا فرنسيس توجيه الشكر على هذه المسيرة المشتركة التي تقومون بها، قال قداسته، وتابع واصفا إندونيسيا ببلد كبير وفسيفساء من ثقافات واثنيات وتقاليد دينية، وبتنوع ثري جدا ينعكس أيضا في تنوع النظام البيئي والبيئة المحيطة. ثم قال البابا إن كان صحيحا أن لديكم أكبر منجم للذهب في العالم، فيجب أن تعلموا أن الكنز الأثمن هو الرغبة في ألا تصبح الاختلافات سبب نزاع بل أن تتناغم في وفاق واحترام متبادل. ودعا الأب الأقدس إلى عدم فقدان هذا الثراء الكبير وإلى إنمائه ونقله إلى الشباب بشكل خاص. تحدث البابا أيضا عن ضرورة عدم الاستسلام أمام إغراء الأصولية والعنف راجيا في المقابل أن يكون جذابا للجميع الحلم بمجتمع وبإنسانية يطبعهما الحرية والأخوّة والسلام.

وفي ختام كلمته خلال اللقاء بين الأديان الذي عُقد صباح اليوم الخميس ٥ سبتمبر في إطار زيارته الرسولية إلى إندونيسيا أراد البابا فرنسيس توجيه الشكر على ابتسامتكم الودوة التي تبرق دائما على وجوهكم، قال الأب الأقدس واصفا هذه الابتسامة بعلامة على جمالكم وجمال انفتاحكم الداخلي. وأضاف مختتما: فلينعم عليكم الله بهذه العطية، وبمعونته وبركته سيروا قدما متحدين في التنوع.