نقلا عن جريده الوطن . اقدم لكم هذا المقال  المتميز للدكتور : خالد منتصر

(عاطف بشاي الكوميديا الراقية )


➖ كان الجميع في الكنيسة يبكي من صنع لنا الابتسامة بمهارة وشياكة وجمال ورقي، الجميل النبيل عاطف بشاي،

وجدت اثنين من الفنانين اللذين لم يعرفا بأنها من الكوميديانات، لكنهما حضرا حباً في عاطف، المحمودان، الأول محمود حميده، والثاني محمود قابيل،

كان معظم الحاضرين الذين ينتمون الى الوسط الفني في طقوس الجنازة في الكنيسة للصدفة مسلمين!!، وهذا مدهش ويؤكد أن عاطف بشاي لم يكن في يوم من الأيام صاحب فكر عنصري أو طائفي،

كان يكتب للجميع ومن عصارة الوطن والشارع والحارة والكنيسة والمسجد، وكان من أوائل الكتاب الذين أبرزوا الشخصية المسيحية في الدراما على انها شخصية طبيعية درامية، فيها صعود وهبوط درامي مثلها مثل الشخصية المسلمة، لأننا في النهاية جميعاً مصريون،  

عرفت الكاتب الكبير الراحل عاطف بشاي مشاهداً لأعماله قبل أن أكون صديقاً له تأسرني انسانيته البالغة، وتواضعه الشديد، وحبه المفرط لزوجته وبناته، لدرجة أنه ظل يذاكر معهم حتى الثانوية العامة!! ويشرف على كل صغيرة وكبيرة في حياتهما،

عرفت منه أنه كان كخريج كلية فنون موظفاً في وزارة الصحة!! ما العلاقة ؟؟! إنها بداية الكوميديا السوداء التي أتقن كتابتها فيما بعد، ثم تخرج من معهد السينما وحصل على المركز الأول،

هذا الكاتب الكوميدي الذي تظنه بوهيمياً كان في منتهى الجدية والصرامة عندما يتصدى للكتابة، وكان يستطيع استيعاب مختلف التيارات في الكتابة ويحولها الى سيناريو من لحم ودم وأعصاب،

نفس المهارة والاجادة في (حضرة المحترم)  لنجيب محفوظ موجودة في (ناس وناس ) ( والحب وسنينه)  لأحمد رجب!!،

قصة (لا ) لمصطفى  أمين شكلها ونسجها ببراعة مثلما شكل ونسج (اللقاء الثاني) ليحى حقي، أي نص هو عجينة طيعة يستطيع تحويلها الى سيناريو وحوار بمنتهى الابداع الفني والاحتراف المهني،

يكتب تراجيديا ( عمارة يعقوبيان ) ومسلسل(  لا، ) كما يكتب كوميديا (فوزية البورجوازية) (  وعلي بابا ، ) وبمنتهى العمق والبساطة وليست الكلكعة أو السطحية،

الكوميديا ومفهومنا عنها انها هزار، ظلمه قليلاً، فالكوميديا عنده هي فلسفة تعري وتكشف، وعبقريته في كشف التناقضات الخفية تحت السطح هي التي تجعلك تضحك حتى تغرق في دموعك!!

فى مسلسل (  يا رجال العالم اتحدوا ) ( والنساء قادمون،) كتب بمنتهى المهارة في مساحة التنوير الاجتماعي، وكشف عما يعتري الأسرة المصرية والطبقة المتوسطة من تناقضات من السهل أن تجعل الحياة قشرة مزيفة ومجرد رحلة عيشة فاترة لا تمتلك أي حيوية أو طاقة،

عاطف بشتى  له جانب فني لا يعرفه الكثيرون عنه وهو عشقه للفن التشكيلي فاعلاً ومتذوقاً، ممارساً وناقداً، كان أحياناً يرسم بكلاسيكية، وأحياناً بسريالية تقترب من سريالية الكوميديا التي كان يعشق كتابتها،

أتمنى وكلي أمل في شركات الانتتاج  الكبرى أن تتولى تنفيذ عمل مهم كتبه عاطف منذ سنوات ولم يخرج الى النور وهو عن ( مي زياده، ) قرأ لي منه مشاهد كثيرة، وهو بالفعل مسلسل ثري بالتفاصيل ويحتاج فقط الى انتاج ضخم لأنه يستعرض حقبة ثقافية مهمة في تاريخ مصر،

أما مقالاته الأخيرة في روز اليوسف والمصري اليوم التي لم يلحق أن يجمعها في كتاب،  أرجو من هيئة الكتاب أن تتولى إصدار هذا الكتاب على المعرض القادم، وأن تكون هناك ندوات لتكريمه.
افتقدنا كاتباً مهماً وانساناً نبيلاً.

الى اللقاء مع مقال جديد متميز مع تحيات : مجدى سعدالله .