ياسر أيوب
الكلمة أحيانًا أقوى من الرصاص وأشد قسوة من خنجر أو سكين.. والإنسان مهما كانت قوته وصلابته قد لا تهزمه حرب وأزمة، لكن تكسره كلمة جارحة أو مهينة.. ولا ينتبه كثيرون لِكَم العذاب والألم بسبب كلمات وتعليقات عابرة قد يقولها بعضهم من باب التسلية والاستعراض والاستظراف.. وكانت هذه الكلمات والتعليقات هى التى أخرجت فينيسيوس جونيور عن شعوره أمس الأول وجعلته يتمنى ويطلب علنًا سحب تنظيم واستضافة مونديال ٢٠٣٠ من إسبانيا.. وأن يقول فينيسيوس ذلك فهذا يعنى أنه فقد القدرة على الصبر والسكوت والتحمل والتجاهل وتحول من إنسان إلى قنبلة غضب منزوعة الفتيل.. ولكى تتضح الصورة لابد من العودة إلى بداية الحكاية التى كانت ٢٠ يوليو ٢٠١٨.. يومها أصبح فينيسيوس رسميًا لاعبًا فى النادى الإسبانى الشهير ريال مدريد.
شاب برازيلى من إحدى ضواحى ريو دى جانيرو، لا يزال فى الثامنة عشرة من عمره، ويملك موهبة كروية استثنائية.. اضطر مسؤولو الريال للحصول على هذه الموهبة لأن يدفعوا لنادى فلامنجو البرازيلى ٤٦ مليون يورو.. أكبر مبلغ يحصل عليه نادٍ برازيلى فى التاريخ مقابل بيع لاعب كرة وثانى أعلى سعر لاعب برازيلى بعد نيمار، وأغلى لاعب على الإطلاق تحت ١٩ سنة.. ومع الريال بدأت رحلة فينيسيوس مع النجاح والشهرة والتألق وبطولات متتالية فى إسبانيا وأوروبا والعالم، ولم تعد هناك شكوك فى أنه أحد أعظم لاعبى العالم.. ولم يكن كل هذا النجاح كافيًا فى رأى بعض السفهاء والحمقى لأن يتركوا فينيسيوس فى حاله.. إنما بدأت واستمرت السخرية المرة والوقحة من ملامحه ولونه الأسود.
وتحمل فينيسيوس ذلك فى البداية، وتقبل فكرة أنه فى كل وقت وبلد هناك من يستمتعون بإهانة الناس والتنمر عليهم.. وكلما سكت فينسيوس وتحمل وتجاهل الأمر زادت مساحة السخرية وأصبحت أكثر قسوة ومرارة.. ومثلما استمتع الملايين فى إسبانيا وخارجها بموهبة فينيسيوس وأدائه وأهدافه.. بقى من يستمتعون بإهانته ودموعه أيضا حين بكى فى مؤتمر صحفى أوائل هذا العام، وهو يحكى عن عذابه ومشاعره.. وكل ذلك كان مقدمة لأن يأتى يوم يطلب فيه فينيسيوس معاقبة إسبانيا إن لم تحارب معه هؤلاء القليلين الفاقدين لإنسانيتهم.. كان انفجارًا متوقعًا رغم احترامه لغالبية الإسبان ورغم أن إسبانيا باتت بلده منذ ست سنوات يعيش فيه ويربح المال ويصنع المستقبل.. وقد يغضب الإسبان من فينيسيوس، لكن الإنسان المجروح بالكلمات لا يحتكم للعقل والمنطق.. وأجمل ما فى فينيسيوس أنه كلما زادت السخرية منه، كلما زاد إنفاقه على تعليم صغار الفقراء فى البرزيل.. فلم ينجح هؤلاء السفهاء والأغبياء فى أن يسرقوا من فينيسيوس إنسانيته.
نقلا عن المصرى اليوم