د. رامي عطا صديق
فى نهاية التسعينيات من القرن العشرين كنت أحضر مناقشة رسالة ماجستير بكلية الإعلام جامعة القاهرة، وعقب المناقشة وإعلان حصول الباحثة على الدرجة العلمية، أطلقت إحدى قريباتها زغرودة، فانتهرها بتهذب أستاذنا الدكتور خليل صابات (١٩١٩-٢٠٠١م)، رحمة الله عليه، وقال لها «نحن هنا فى محفل علمى»، فتوقفت السيدة عن فعلها، واكتفى الجميع بالتصفيق
تذكرت تلك الواقعة فى ظل حالة الانقسام والجدل التى شهدها المجتمع المصرى خلال الأسابيع القليلة الماضية، وتجلت بوضوح على شبكات التواصل الاجتماعى، حيث انقسم مستخدموها بين مؤيد ومعارض لحفلات تخرج طلاب الجامعات، فى إشارة إلى الحفلات المصحوبة برقص الخريجين، شبانًا وشابات، على وقع موسيقى صاخبة وأغانى المهرجانات، وهى حفلات يجرى بعضها داخل مدرجات الجامعة وقاعاتها ومسارحها، بينما يجرى بعضها الآخر خارج الجامعة بمعرفة الطلاب وتنظيمهم، فى قاعات الأفراح والفنادق، حسب المستوى الاقتصادى للطلاب وأهاليهم.
وشهد بعض تلك الاحتفالات مظاهر غريبة مثل دخول الخريج أو الخريجة للممر الشرفى وهو يرقص مُرتديًا الروب الجامعى والكاب!! كما شهدت انتهاكًا للخصوصية، ومن ذلك أنه انتشر مقطع فيديو لفتاة وهى ترقص فى حفلة تخرج خارج الجامعة، وقد صورها أحد الشباب ونشرها على شبكات التواصل الاجتماعى، مما سبب أزمة للفتاة وأسرتها!! بينما نشرت بعض الفتيات فيديوهات لهن أثناء الرقص بحثًا منهن عن «الشو والتريند»!.
وحسنًا فعل المجلس الأعلى للجامعات، فى اجتماعه مؤخرًا، حيث اتخذ قرارًا بتحديث الضوابط الخاصة بتنظيم حفلات تخرج الطلاب بالجامعات المصرية، للتأكيد على أن تنظيم حفلات التخرج والفعاليات الطلابية الجامعية يكون حصريًا داخل الحرم الجامعى والمنشآت التابعة للجامعة، ولا يجوز تسمية أى فعالية تُعقد خارج المنشآت التابعة للجامعة «حفل تخرج»، ولا يجوز استخدام اسم أو شعار الجامعة فى مثل هذه الفعاليات، ويحظر على أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة والإداريين بالجامعات حضورها، ويُعتبر هذا التواجد خروجًا على القيم والتقاليد الجامعية الأصيلة، كما يتم تحديد موعد الفعالية فى خطة الأنشطة السنوية، وتعتمد هذه الخطة من المجالس المعنية.
ويجب الحصول على موافقة مجلس الكلية فى حال تنظيم الفعاليات على مستوى القسم أو البرنامج أو الشعبة أو الكلية، أما فى حال تنظيم فعالية على مستوى الجامعة، فيجب الحصول على موافقة نائب رئيس الجامعة المُختص ومجلس الجامعة.
ويتم تشكيل لجنة للإشراف على تنظيم أى فعالية طلابية برئاسة أحد أعضاء هيئة التدريس وعضوية عدد من أعضاء هيئة التدريس والإداريين بالجامعة، ويتم تشكيل لجنة أو أكثر من اللجان التنفيذية ويكون أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة والإداريين بالجامعة أساس قوام هذه اللجان، وتقوم هذه اللجان بمهامها التنفيذية تحت إشراف لجنة الإشراف، ويشارك الطلاب كمعاونين فى التنفيذ تحت إشراف لجنة الإشراف واللجان التنفيذية.
وقد لاقى هذا القرار استحسانًا كبيرًا، ما يجعلنى أشير هنا إلى بعض الأفكار، أولًا: تتمثل أهمية هذا القرار فيما يحمله من ضوابط ومعايير تنظم حفلات التخرج التى يتم تنظيمها داخل الحرم الجامعى وتحت مظلة الجامعة، ما يُعيد للجامعة حالة الوقار والهيبة التى ارتبطت بها الجامعات المصرية منذ أن عرفتها مصر ابتداء من عام ١٩٠٨م.
ثانيًا: من حق الخريجين، شبانًا وشابات، أن يفرحوا بتخرجهم، وانطلاقهم للعمل ومعترك الحياة، وليس من حق أحد أن يكون وصيًّا على الآخرين، ولكن من المؤكد أن لكل مقام مقالًا، وأن لكل مكان قواعده ونظامه وآدابه.
ثالثًا: فى حياتنا الكثير من الاحتفالات، ولكل احتفال طبيعته وخصوصيته، فهناك أعياد دينية مثل عيدى الفطر والأضحى للمواطنين المسلمين وعيدى الميلاد والقيامة للمواطنين المسيحيين، وأعياد أخرى وطنية/ قومية مثل انتصار السادس من أكتوبر وتحرير سيناء، ومناسبات ثالثة ذات طبيعة اجتماعية مثل حفلات الخطوبة والزفاف وأعياد الميلاد.
رابعًا: إذا كانت الآداب والأخلاقيات مسألة نسبية ومتطورة وليست جامدة أو متحجرة، فإن الاحتفال فى الجامعة غير الاحتفال خارجها، وإذا كان الزمن غير الزمن، والظرف غير الظرف، والجيل غير الجيل، وأن نظرتنا لبعض الأمور تغيرت أو تطورت، فإن علينا أن نحافظ على الحد الأدنى من القواعد والضوابط، من خلال التزامنا بالآداب العامة والقيم الإيجابية، فى إطار صيغة توافقية تعبر عن فرحة النجاح بشكل لائق يقبله المجتمع ويحفظ للجامعة وخريجيها صورة ذهنية مقبولة. قد يتطلب الأمر تحليلًا اجتماعيًّا، حتى نعرف ماذا جرى لشخصية المصريين وهويتهم، فى ظل ظروف وأوضاع مجتمعية وتغيرات متلاحقة، أثرت على منظومة القيم السائدة فى المجتمع والحاكمة لتصرفات أعضائه.
نقلا عن المصري اليوم