القمص يوحنا نصيف
جبل الزيتون هو جبل متدرِّج الارتفاع، يقع شرقي مدينة أورشليم، ويرتفع قليلاً عنها، ويتكوّن من ثلاث هضبات بطول حوالي كيلومتر واحد من الشمال إلى الجنوب. وقد أخذ اسمه من أشجار الزيتون الكثيرة التي كانت مزروعة عليه، وقد تَبَقّى منها الآن القليل.
هناك أحداث مُهمّة عديدة في الكتاب المقدّس، تَمّتْ على جبل الزيتون، أذكر منها في هذا المقال سبعة أحداث:
1- كان جبل الزيتون هو المسار الذي هرب منه داود النبي حافيًا باكيًا من أمام ابنه أبشالوم، الذي أراد أن يغتصب المملكة بعنف، وهو غيرُ مُدرِكٍ أنّ الله هو الذي اختار أباه ومَسَحَه ملكًا.. وعندما وصل داود إلى قمّة الجبل سجد وصلّى، فاستجاب له الله هناك، وأرسل له "حوشاي الأركي" الذي أنقذه من الموت، بإبطال مشورة أخيتوفل الخطيرة (2صم15).
2- كان السيّد المسيح مُعتادًا أن يذهب إلى جبل الزيتون ويصلّي ويبيت هناك، كما جاء في (يو8). وهناك تقليد محلّي يؤكِّد أنّ السيّد المسيح علّم تلاميذه الصلاة الربّانيّة على جبل الزيتون، عندما رأوه يصلّي، وطلبوا منه أن يعلّمهم الصلاة، كما جاء في (لو11: 1-4). وحاليًا يوجَد كنيسة في نفس المكان على جبل الزيتون، تُسمّى كنيسة "أبانا الذي في السموات" وفيها الصلاة الربّانيّة مكتوبة على حوائط الكنيسة، من الداخل والخارج، وحوائط الممرات التي تؤدّي إليها، بمائة واثنين وسبعين لغة، بما فيها اللغة القبطيّة واللغة العربيّة.
3- عند دخول السيّد المسيح إلى أورشليم، جاء من الشرق، واتّخذ مساره على مُنحدَر جبل الزيتون من أعلى إلى أسفل (لو19: 37)، واستقبلته الجموع بسعف النخل، وفرشوا ثيابهم في الطريق، وهم يسبّحون الله بصوتٍ عظيم قائلين: هوشعنا (خلّصنا) مبارك الآتي باسم الرب.. حتّى دخل إلى الهيكل.
4- فيما هو يقترب من أورشليم، نظر إلى المدينة وبكى عليها (لو19: 41) لأنه رأى بسابق معرفته خرابها الكامل، إذ لم تَعرِف ما هو لسلامها، ولا زمان افتقادها. وحاليًا في موقع بكاء السيد المسيح على جبل الزيتون توجَد كنيسة تُسَمَّى "كنيسة الدمعة"، وقد بُنِيَت هذه الكنيسة على شكل دَمعة كبيرة، تذكارًا لدموع الربّ يسوع التي سكبها حُبًّا في أولاده؛ الذين رفضوه واختاروا أن يُترَك لهم بيتهم خرابًا!
5- في يوم الثلاثاء من الأسبوع الأخير، وعندما غادر الربّ يسوع المسيح الهيكل لآخِر مرّة، جلس منفردًا على جبل الزيتون مع أربعة من تلاميذه؛ بطرس وأندراوس ويعقوب ويوحنّا (مر13)، وأجاب على أسئلتهم بخصوص موعِد وتفاصيل خراب أورشليم، وبعض علامات مجيئه الثاني، وأوصاهم بالسهر والاستعداد.
6- يقع بستان جثسيماني في سفح جبل الزيتون، أي في نهايته من ناحية الغرب، بالقرب من وادي قدرون الذي يفصل جبل الزيتون عن سور أورشليم الشرقي القديم. وهو البستان الذي صلّي فيه السيّد المسيح ليلة الصلب وأمامه كأس خطايا البشريّة، وظهر له ملاك من السماء يقوّيه، وكان عرقه يتصبّب كقطرات الدم (لو22: 43-44). وحاليًا يوجد كنيسة كبيرة في هذا المكان مزيّنة بأيقونات الموزاييك لكلّ الأحداث التي تمّت في تلك الليلة، وفي وسط الكنيسة الصخرة التي ركع وصلّى عليها السيّد.
7- صعد الرب يسوع إلى السماء، بعد قيامته من الأموات بأربعين يومًا، من على قمّة جبل الزيتون، بعد أن بارك التلاميذ وأوصاهم ألاّ يغادروا أورشليم للتبشير بالإنجيل إلاّ بعد أن ينالوا عطيّة الروح القدس (أع1). وحاليًا المنطقة بها مبنى صغير جدًّا كان مستعمَلاً كمسجد، ويوجد أيضًا في نفس الساحة مذبح للكنيسة القبطيّة.
القمص يوحنا نصيف
* الصور من زيارة لأورشليم في أكتوبر 2019م، ويظهر فيها مُنحدَر جبل الزيتون، وكنيسة "الدمعة"، وكنيسة "أبانا الذي في السموات"، وكنيسة "جثسيماني" مع العديد من الصور الموزاييك التي بها من الخارج والداخل، وفيها أيضًا الجزء الصخري حيث ركع وصلّى ربّنا يسوع له المجد. كما يظهر خلفنا في إحدى الصور شجرة زيتون عتيقة من أيّام السيّد المسيح.
يظهر أيضًا في إحدى الصور من فوق جبل الزيتون السور الشرقي القديم لمدينة أورشليم، ويليه جَبَل الهيكل (المُمَيَّز بوجود أشجار كبيرة وكثيرة فيه)، ويظهر في منتصفه مسجد قُبّة الصخرة (بالقبّة الذهبيّة)، وفي أقصى يسار الصورة يظهر المسجد الأقصى (بالقُبّة الفضيّة المائلة للسواد)، ويظهر بينهما من بعيد قُبّة كنيسة القيامة.