محرر الأقباط متحدون
شجاعة أن نبدأ، جمال أن نكون ورجاء أن ننمو. هذا ما تمحورت حوله كلمة قداسة البابا فرنسيس خلال لقائه اليوم السبت أساقفة بابوا غينا الجديدة وجزر سليمان والكهنة والشمامسة والمكرسين والمكرسات والإكليريكيين ومعلمي التعليم المسيحي.

في إطار زيارته الرسولية إلى بابوا غينيا الجديدة التقى قداسة البابا فرنسيس اليوم السبت ٧ سبتمبر في مزار مريم العذراء سيدة المعونة، في ضواحي العاصمة بورت مورسبي، أساقفة بابوا غينا الجديدة وجزر سليمان والكهنة والشمامسة والمكرسين والمكرسات والإكليريكيين ومعلمي التعليم المسيحي. وفي بداية كلمته وجه الأب الأقدس التحية إلى الجميع وشكر رئيس مجلس الأساقفة على كلمته ومَن تحدثوا في بداية اللقاء مقدمين شهاداتهم وطارحين بعض الأسئلة. ثم أعرب البابا عن سعادته للقائهم في هذه الكنيسة الساليزيانية الجميلة، مزار العذراء سيدة المعونة وأضاف أنه قد عُمِّد في رعية سيدة المعونة في بوينس أيرس. وتابع البابا حديثه عن هذا المزار فقال إنه يمكن أن يكون رمزا لنا، وخاصة فيما يتعلق بثلاثة جوانب من مسيرتنا المسيحية والإرسالية، أي شجاعة أن نبدأ وجمال أن نكون ورجاء أن ننمو.

ثم انطلق البابا فرنسيس للتأمل في هذه الجوانب الثلاثة فتحدث أولا عن شجاعة أن نبدأ، وعاد في هذا السياق إلى أن بناة الكنيسة في هذه الأرض قد بدأوا العمل بفعل إيمان كبير حمل ثماره، إلا أن هذا كان ممكنا بفضل الكثير من بدايات شجاعة أخرى لمن سبقهم. وعاد الأب الأقدس إلى وصول الإرساليين إلى هنا في منتصف القرن التاسع عشر وقال إن خطواتهم الأولى لم تكن سهلة بل وقد باءت بعض المحاولات بالفشل، لكنهم لم يستسلموا بل واصلوا بإيمان كبير وبغيرة رسولية العظة بالإنجيل وخدمة الأخوة بادئين في حالات كثيرة من جديد وبتضحيات كثيرة ما لم ينجحوا فيه من قبل.

وهذا ما تُذكِّرنا به نوافذ هذا المكان، تابع البابا فرنسيس، حيث يبتسم لنا نور الشمس في وجوه القديسين والطوباويين، نساء ورجال من أماكن مختلفة مرتبطون بتاريخ جماعتكم، قال الأب الأقدس وأشار إلى بعض القديسين والطوباويين ومن بينهم الأم تريزا دي كالكوتا والبابا يوحنا بولس الثاني ودون بوسكو وفرنسيس دي سال. وتحدث قداسته بالتالي عن أخوة وأخوات ساهموا بأشكال وفي أزمنة مختلفة في حمل الإنجيل وسطكم في ثراء متنوع للكاريزما يحفزهم الروح القدس نفسه ومحبة المسيح ذاتها. وواصل البابا فرنسيس أن بفضل هؤلاء وبفضل بداياتهم والبدء مجددا ها نحن هنا اليوم نواصل السير قدما رغم التحديات بدون خوف مدركين أننا لسنا وحدنا، فالرب هو من يعمل فينا وبنا جاعلا إيانا مثلهم أدوات لنعمته.

هذا وأراد البابا فرنسيس وانطلاقا أيضا مما استمع إليه من شهادات حسبما ذكر أن يعرِّف الحضور بطريق هام كي يوجهوا إليه "بداياتهم"، الطريق نحو ضواحي هذا البلد، قال البابا. وواصل الأب الأقدس إنه يفكر فيمن ينتمون إلى الفئات الأكثر معاناة بين سكان المدن وأيضا مَن يعيشون في مناطق نائية ومتروكة حيث لا تتوفر في بعض الأحيان حتى الضروريات. تحدث البابا أيضا عن الأشخاص المهمشين ومَن تجرحهم الأحكام المسبقة وغيرهم، وذلك في إشارة إلى ما ذُكر خلال بعض الشهادات التي استمع إليها قاسته. وواصل البابا فرنسيس أن الكنيسة تريد أن تكون قريبة من هؤلاء الأخوة والاخوات لأن يسوع حاضرا فيهم بشكل خاص، وأضاف الأب الأقدس أنه حيثما يكون يسوع، الرأس، نكون نحن أيضا، أعضاء الجسد ذاته المحكم والملتحم بفضل جميع الأوصال (راجع أفسس ٤، ١٦). ثم دعا البابا إلى عدم نسيان القرب مشددا على أن هناك ثلاثة أفعال هي الأجمل حسبما ذكر، القرب والشفقة والحنان.

ثم انتقل البابا فرنسيس للحديث عن الجانب الثاني، جمال أن نكون. وقال قداسته إن بالإمكان رؤية هذا الجمال والذي يرمز إليه الصدف الذي تُزيَّن به هذه الكنيسة والذي هو رمز الرخاء. وتابع الأب الأقدس أن هذا يُذكِّرنا بأن الكنز الأثمن في عينَي الآب هو نحن، مجتمعين حول يسوع تحت رداء مريم، متحدين روحيا مع جميع الأخوة والأخوات الذين أوكلهم الرب إلينا والذين لا يمكنهم أن يكونوا هنا، موقدةً فينا الرغبة في أن يعرف العالم كله الإنجيل وفي أن نتقاسم قوته ونوره.

تحدث البابا فرنسيس بعد ذلك، وانطلاقا من الأسئلة والشهادات التي استمع إليها عن كيفية نقل حماسة الرسالة إلى الشباب. وقال قداسته إنه لا يعتقد أن هناك "تقنيات" لتحقيق هذا إلا أن هناك طريقة مختبَرة، وهي أن نُنمي ونتقاسم مع الشباب الفرح بكوننا كنيسة حسبما ذكر البابا بندكتس السادس عشر، كوننا بيتا يستقبل، مبنيا من أحجار حية مختارة وكريمة وضعها الله أحدها بجانب الآخر ملصَقة بمحبته (راجع ١ بط ٢، ٤ـ٥). وعاد البابا مجددا إلى الشهادات التي سبقت كلمته مشيرا إلى الحديث عن خبرة السينودس فقال إن بإمكاننا من خلال التقدير والاحترام المتبادلَين ووضع أحدنا نفسه في خدمة الآخرين أن نُظهر للشباب، ولكل مَن نلتقي، كم هو جميل اتباع يسوع معا وإعلان إنجيله. وتابع الأب الأقدس أن جمال أن نكون لا يُختبر خلال الأحداث الكبيرة أو لحظات النجاح، بل في الأمانة والمحبة اللتين نلتزم من خلالهما بشكل يومي للنمو معا.

ومن هنا انطلق البابا فرنسيس للحديث عن الجانب الثالث أي رجاء النمو. وعاد هنا إلى الكنيسة التي يُعقد فيها اللقاء فتحدث عما وصفه بتعليم مسيحي بالصور، حيث هناك عبور البحر الأحمر وشخصيات إبراهيم واسحق وموسى، مَن آمنوا فنالوا عطية النسل. وقال البابا فرنسيس إن هذه علامة هامة لأنها تشجعنا نحن أيضا اليوم على الثقة في خصوبة عملنا الرسولي، فنواصل زرع بذار خير صغيرة في أخاديد العالم. وأضاف قداسته أن هذه البذور تبدو صغيرة كحبة خردل إلا أننا حين نثق ولا نتوقف عن نثرها فإنها ستثمر بنعمة الله وتعطي حصادا وفيرا وأشجارا بإمكانها أن تستقبل طيور السماء. وذكَّر قداسة البابا هنا بكلمات بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس التي تُذكرنا بأن نمو ما نزرع ليس ثمرة عملنا بل هو عمل الرب. وأضاف الأب الأقدس ان هذا هو ما تُعلِّم الكنيسة أيضا، واستشهد هنا بما جاء في الوثيقة المجمعية Ad gentes (إلى الأمم) حول نشاط الكنيسة الإرسالي، حيث أن الله، وإن كان من خلال جهودنا، هو الذي يعمل على أن يأتي ملكوته على الأرض. تحدث البابا بالتالي عن مواصلة الكرازة بصبر وبدون إحباط امام المصاعب وعدم الفهم حتى حين نجدها حيثما لا نتوقع، في العائلة على سبيل المثال.

وفي ختام كلمته خلال لقائه مع أساقفة بابوا غينيا الجديدة وجزر سليمان والكهنة والشمامسة والمكرسين والمكرسات والإكليريكيين ومعلمي التعليم المسيحي دعا البابا فرنسيس إلى شكر الرب معا على تجذر الإنجيل وانتشاره في بابوا غينيا الجديدة وجزر سليمان. ودعا قداسته الحضور إلى مواصلة رسالتهم شهودا للشجاعة والجمال والرجاء، كما وجدد الدعوة إلى عدم نسيان أسلوب الله: القرب والشفقة والحنان. ثم شكر البابا الجميع وباركهم سائلا إياهم ألا ينسوا أن يُصلوا من أجله.