ياسر أيوب
فقدت فى بداية حياتها القدرة على المشى نتيجة علاج خاطئ لشلل الأطفال.. وعاشت سنواتها الأولى طفلة لا تنتظر مستقبلا ولا تملك أحلاما.. كانت ترى البنات والأولاد حولها يجرون ويلعبون وتبقى وحدها لا تستطيع أن تلعب معهم أو تلعب مثلهم.. وأصبحت كأنها كومة من أحزان ودموع وألم وجروح.. لم يكن عجزها فقط هو الذى يؤلمها، إنما نظرات الأسى والشفقة فى عيون أهلها وجيرانها وقريتها الصغيرة بمحافظة الشرقية.

وكان من المفترض أن تبقى كذلك إلا أنها حين كبرت قليلا رأت بالمصادفة عبر شاشة التلفزيون فتيات مثلها يجلسن على نفس الكرسى ذى العجلات ويمارسن لعبة رفع الأثقال.. فقررت أن تتعلم اللعبة وتلعبها مثلهن.. وساعدها المدرب عبد الكريم فارس فى معرفة قواعد اللعبة وكيف تمارسها وتفوز فيها أيضا.. ولم تكن رفع الأثقال بالنسبة لها مجرد لعبة تمارسها من أجل تسلية أو حتى بطولة، لكنها كانت وسيلة وحيدة وأخيرة وممكنة لتحدى الحزن والألم والعجز وقلة الحيلة.

وكان الحديد الذى ترفعه مهما ثقل وزنه أقل من الهموم والمواجع التى حملتها طيلة حياتها.. ولهذا لم تكن فى حاجة لكثير من الوقت لتصبح إحدى بطلات مصر فى رفع الأثقال الباراليمبية.. ولم تكتف بذلك وفازت وهى فى الخامسة والعشرين من عمرها بميدالية فضية فى دورة ريو دى جانيرو الباراليمبية ٢٠١٦.. بل كانت مجرد خطوة أولى فى طريق طويل حافل بالتحدى والبطولات والميداليات.

ففازت فى الدورة الباراليمبية التالية فى طوكيو ٢٠٢٠ بميداليتها الفضية الثانية.. وفازت أمس الأول فى دورة باريس الباراليمبية بميداليتها الثالثة لكنها كانت ذهبية هذه المرة وليست فضية.. وأصبحت بميدالية باريس واحدة من رياضيين مصريين قليلين جدا فازوا بثلاث ميداليات فى ثلاث دورات باراليمبية متتالية، وهو إنجاز بالمناسبة لم تشهده مصر مطلقا فى الدورات الأوليمبية.

وكان انتصارا توقعه كثيرون فى العالم تعاملوا مؤخرا مع البطلة المصرية باعتبارها نجمة العالم وبطلته فى هذه اللعبة لوزن ٥٥ كيلوجرامًا.. فهى الفائزة بأربع بطولات عالم متتالية: ٢٠١٧ فى المكسيك، و٢٠١٩ فى كازاخستان، و٢٠٢١ فى جورجيا، و٢٠٢٣ فى الإمارات، إلى جانب أنها صاحبة الرقم القياسى العالمى فى هذا الوزن.. وهكذا انتقمت رحاب أحمد من ظروف لم تستسلم لها واستطاعت بيديها تغيير نظرات الأسى والشفقة فى عيون الجميع حولها لتصبح إعجابًا واحترامًا.

وكان الدكتور ممدوح غراب، محافظ الشرقية السابق، قد قرر بعد طوكيو أن يطلق اسم رحاب على الطريق الواصل من قريتها الحواط حتى مدينة منيا القمح، ولا أعرف هل تم ذلك أم طواه النسيان باعتباره محافظا سابقا أو لأننا لا نرى رحاب نجمة تستحق ذلك؟!.
نقلا عن المصرى اليوم