القمص يوحنا نصيف
هذا المقال يلقي الضوء على معنى "الناموس" من كافّة الزوايا، وبالتالي فهو يساعد على فهم هذه الكلمة التي تتكرّر كثيرًا في الكتاب المقدّس.
كلمة "ناموس" تعني: شريعة أو قانون أو نظام.. وقد استخدم القدّيس بولس الرسول كلمة "الناموس" في رسائله بعدّة معاني مختلفة.. وبالذّات في الرسالة إلى روميه.. لذلك فإنّ التمييز بين هذه المعاني هو مفتاح مهمّ لفهم هذه الرسالة.
تحدّث القديس بولس عن ستّة أنواع من الناموس، وهي:
ناموس موسى – الناموس الطبيعي – ناموس الأعمال – ناموس الإيمان – ناموس الخطيّة – ناموس الروح.
1- ناموس موسى:
+ هو الذي كُتِبَ بواسطة الله على لوحيّ الحجر، وأُعطِيَ لليهود من خلال موسى.
مثال: "كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ بِدُونِ النَّامُوسِ فَبِدُونِ النَّامُوسِ يَهْلِكُ. وَكُلُّ مَنْ أَخْطَأَ فِي النَّامُوسِ فَبِالنَّامُوسِ يُدَانُ. أَنْ لَيْسَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ النَّامُوسَ هُمْ أَبْرَارٌ عِنْدَ اللهِ، بَلِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالنَّامُوسِ هُمْ يُبَرَّرُونَ." (رو:12-13).
+ هذا الناموس يَكشِف بِرّ الله ويُعِدّ الإنسان لمجيء المَسِيّا ولعهد النعمة.. وبوجه عام عندما يتحدّث القديس بولس عن الناموس فهو غالبًا يتحدّث عن ناموس موسى.
+ الناموس صالح، ولكن من الصعب حفظه، بسبب عجز الإنسان وفساد طبيعته بالخطيّة.
+ الناموس هو إعلان من الله، ولكنّه في حدّ ذاته ليس الغاية أو النهاية التي يريدها الله.
+ غاية الناموس:
أولاً: يكشف الفارق بين الصلاح والشرّ.
ثانيًا: يجعل العالم في وضع المسؤوليّة والمُسَاءَلة أمام الله.
ثالثًا: يُظهِر الخطيّة ويُدينها.. "أَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ" (رو3: 20).
رابعًا: يهذّبنا ويقودنا إلى المسيح.. "قَدْ كَانَ النَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى الْمَسِيحِ، لِكَيْ نَتَبَرَّرَ بِالإِيمَانِ" (غل3: 24).
فعلى الرغم أنّ الناموس لا يتعارض مع نعمة الله، فهو لا يستطيع أن يُخلّصنا أو يُبَرّرنا.
2- الناموس الطبيعي:
+ هو القانون الطبيعي المكتوب بواسطة الله في قلب كلّ إنسان حيّ.
مثال: "الأُمَمُ الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ النَّامُوسُ، مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي النَّامُوسِ، فَهؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ، الَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ النَّامُوسِ مَكْتُوبًا فِي قُلُوبِهِمْ، شَاهِدًا أَيْضًا ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ .." (رو2: 14-15).
+ هو صوت الضمير الداخلي الحيّ، الذي يرشد الإنسان نحو عمل البرّ.
+ يكون موثوقًا به فقط لأنقياء القلب.
+ يمكن أن يصير مُعتِمًا ويَتَبَلّد باعتياد الخطيّة.
3- ناموس الأعمال:
+ هو محاولة الوصول إلى البرّ أمام الله عن طريق حفظ الناموس الطبيعي أو ناموس موسى.
مثال: "فَأَيْنَ الافْتِخَارُ؟ قَدِ انْتَفَى. بِأَيِّ نَامُوسٍ؟ أَبِنَامُوسِ الأَعْمَالِ؟ كَّلاَّ. بَلْ بِنَامُوسِ الإِيمَانِ" (رو3: 27).
+ يكشف عن عجز وضعف الإنسان أمام الخطيّة، وعدم قدرته على الحياة المقدّسة بدون الإيمان بالمسيح والتزوُّد بنعمته.
4- ناموس الإيمان:
+ يعني أن تتوافق أمانتنا لله مع أمانته لنا.. فنؤمن بعمله الخلاصي ونفتح قلوبنا لعمل نعمته.
+ هو الوسيلة الوحيدة للتمتّع ببرّ الله.
+ كشف الله بِرّه تدريجيًّا منذ بداية الخليقة، ولكنّ أظهره بشكل كامل في المسيح.
+ الناموس الطبيعي والناموس الموسوي يشهدان لناموس الإيمان، لذلك فالذين صاروا أبرارًا بالنعمة من خلال الإيمان يستطيعون تتميم الناموس الطبيعي والموسوي في المسيح.
5- ناموس الخطيّة:
+ هو الطبيعة الفاسدة التي ورثناها من آدم، أي الميول والأهواء الرديئة التي دخلت لبشريّتنا بالخطيّة.
مثال: "أَرَى نَامُوسًا آخَرَ فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي، وَيَسْبِينِي إِلَى نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي" (رو7: 23)، "نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ" (رو8: 2).
+ الميول الطبيعيّة للأكل والتزاوُج والتقدير والامتلاك هي ليست خطيّة، ولكنّ الانغماس فيها خطيّة إذ يجعل شهوات الجسد تسود على الروح.
+ أحيانًا تقهر شهوات الجسد إرادة الإنسان تمامًا وتستعبدها.
+ ناموس الخطيّة مع ناموس موسى يَرفَعان من حِدّة الحرب الروحيّة داخلنا بين الخطيّة والبِرّ.
+ نعمة الله فقط هي التي تجعل البرّ ينتصر في حياتنا.
6- ناموس الروح:
+ هذا هو ناموس المسيح أي منهج المسيح وقانونه ونعمته ووصاياه..
+ يُدعى أيضًا "ناموس الحرّية".
أمثلة:
- "اِحْمِلُوا بَعْضُكُمْ أَثْقَالَ بَعْضٍ، وَهكَذَا تَمِّمُوا نَامُوسَ الْمَسِيحِ" (غل6: 2).. أي تشبّهوا بطريقة المسيح ومنهجه؛ في مساعدة الآخَرين، واحتمالهم، ومشاركتهم آلامهم.
- "مَنِ اطَّلَعَ عَلَى النَّامُوسِ الْكَامِلِ ¬ نَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ ¬ وَثَبَتَ، وَصَارَ لَيْسَ سَامِعًا نَاسِيًا بَلْ عَامِلاً بِالْكَلِمَةِ، فَهذَا يَكُونُ مَغْبُوطًا فِي عَمَلِهِ" (يع1: 25).
- "هكَذَا تَكَلَّمُوا وَهكَذَا افْعَلُوا كَعَتِيدِينَ أَنْ تُحَاكَمُوا بِنَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ" (يع2: 12).
+ هذا الناموس أو النظام هو قوّة الروح القدس العامل في النفوس التي قبلت الإيمان بالمسيح، ونالت نعمة البنوّة لله بالمعموديّة، وصارت هيكلاً لروح الله، من أجل التقديس والنمو والإثمار إلى أقصى درجة ممكنة.
+ هنا يكتسب الإنسان بالإيمان برّ الله، ويصير هذا البِرّ فعّالاً وظاهرًا بالحقيقة في حياته وسلوكه.
+ التآزر بين ناموس الروح وناموس الإيمان يهزم ناموس الخطيّة فينا، ويُتَمِّم الناموس الطبيعي والناموس الموسوي أيضًا.
+ أخيرًا.. فإنّ ناموس الروح يُوَجّه إنساننا الداخلي نحو الله، ويستعيد لنا سُلطان الروح على الجسد.
[المرجع: Orthodox Study Bible, page 1525]
القمص يوحنا نصيف