طارق الشناوى

أتابع الملحن الموهوب صاحب النجاحات المتعددة وهو يفتح نيران الغضب ضد زملائه من المطربين والملحنين والشعراء والموزعين، حتى توصيف (زميل) لا يرحب به، فهو يعتبره (رتبة) عظمى فى التقييم لا يستحقها ولا يرتقى إليها أحد منهم.

 

لم يترك ملحنًا ناجحًا أو غير ناجح فى الساحة إلا وعايره بأن إنجازه الموسيقى لا يمكن أن يقترب ولو من بعيد لبعيد مما حققه فى رحلته التى لم تتجاوز ربع قرن، إنه بالفعل صاحب رصيد معتبر بألحان حققت رواجًا جماهيريًا، إلا أنه كثيرًا ما ينفلت فى توجيه ضربات عشوائية ضد زملائه، ويتهمهم مباشرة بالسرقة من ألحانه.

 

القانون يقضى حتى تعد السرقة سرقة بضرورة توافق أربع موازير بنفس التتابع، وما دون ذلك مباح، ومن المنطقى أن من يعمل بالموسيقى وقرر أن يسرق لن يتجاوز الحد الأقصى، خاصة مع ملحنين على قيد الحياة، يعلم أنهم قادرون على فضحه.

 

(المازورة) فى الموسيقى من الممكن تشبيهها بالجملة فى الكتابة والقراءة، فهل هناك من يسرق أربع جمل وينام قرير العين؟.

 

هو يرى أن موسيقاه هى السر وتميمة النجاح الذى حققه العديد من المطربين والمطربات، وأن من واجبهم الاستيقاظ كل يوم ليعلنوا فى الصباح المبكر كم هم ممتنون له. وعلى رأسهم المطرب الأول حاليًا عمرو دياب، رصيد عمرو يربو على الألف أغنية، ولو قدم له مثلًا ٥٠ لحنًا كحد أقصى، ومع افتراض أن ألحانه كلها متميزة فإنها تشكل فقط ٥ فى المائة، على خريطة عمرو.

 

سر نجاح عمرو أنه يجيد اختيار النغمة القادرة على الحياة، وهو ينتقى دائمًا الأجمل من بين المئات التى تعرض عليه.

 

من الممكن أن أتفهم مثلًا حالة فنان يشعر بالظلم لأنه لم يتحقق ويبدأ فى طعن الناجحين، قد ألتمس له بعض الأعذار، ولكن صاحبنا عرف النجاح وهو فى مطلع العشرينيات من عمره!.

 

أتذكر مثلًا أننى التقيت قبل نحو ثلاثين عامًا بشاعر مغمور يتردد يوميًا على معهد الموسيقى العربية فى وسط المدينة، على أمل أن يلتقى بملحن أو مطرب يردد كلماته، ليحقق الشهرة مثل الكبار، وكتب قصيدة أتذكر منها هاتين البيتين.

 

(أحمد محمد المنسى / خليفة بيرم التونسى / عميد الفن له كرسى / ولا مأمون ولا مرسى)

 

يقصد طبعًا مأمون الشناوى ومرسى جميل عزيز.

 

تفهمت وأشفقت بسبب الحالة التى عاشها المؤلف المغمور الراحل، ولكنى لا أجد عذرًا لملحن موهوب مثله يقتفى أثر (أحمد محمد المنسى).

 

الحياة الفنية شهدت قطعًا حالات متشابهة، مثلًا الموسيقار جمال سلامة بين الحين والآخر فى أحاديثه كان شديد الاعتزاز بألحانه، معتبرًا أنه أحدث نقلة لكل من غنوا له، مثل صباح وشادية وسميرة سعيد وياسمين الخيام وغيرهن.

 

كان يكتب النوتة ويوزع ألحانه، فهو خريج الكونسرفتوار، وحاصل على الدكتوراة، طلب من الإذاعة المصرية عندما تقدم ألحانه حتى يتميز عن الآخرين أن تسبقه بلقب (الدكتور)، جريدة (الأخبار) أجرت معه حوارًا منتصف الثمانينيات، والموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب على قيد الحياة، وجاء المانشيت (الريس متقال مثقف موسيقيًا أكثر من عبد الوهاب).

 

المعروف أن اغلب الملحنين المشاهير لا يكتبون النوتة الموسيقية، وبالتالى لا يوزعون ألحانهم وكثيرًا ما استعانوا به فى التوزيع.

 

وكثيرًا ما كان أيضًا يعدد ألحانه الناجحة بالقياس بمعاصريه، ويأتى هو فى المقدمة وبفارق شاسع، ومع الزمن بدأ جمال سلامة يتحلى بالكياسة فى آرائه ولا يجرح زملاءه ولا يقترب من أساتذته.

 

 

أتمنى من الملحن الشاب الموهوب أن يحاول ضبط أقواله، التى تصيبه أولًا فى مقتل قبل أن تنال من الآخرين!!.

نقلا عن المصرى اليوم