عادل نعمان
وهذا العنوان شطر من بيت شعر للشاعر العربى الأموى البصرى «جرير»، وهو بارع فى الهجاء، وخصوصا فى هجاء الشاعر العربى «الفرزدق»، ومعه أيضا «الأخطل»، وبيت الشعر «زعم الفرزدق أن سيقتل مِربعا.. أنعم بطول سلامة يا مِربعُ». وجرير يسخر من الفرزدق لأنه قد هدد أن يقتل مِربعا، وهو ليس بقاتل، ولا يملك شجاعة القتل، ويهدد بما ليس له به طاقة، ويجرى هذا الشطر من البيت على لسان كل من يهزأ ويسخر بتهديد أو وعيد من شخص لا يقدر عليه أو أضعف من فعله. ومربع هذا كان راوى أشعار الفرزدق، يحفظها عنه ويتناقلها بين القبائل، وقد حدث شجار وتشابك بين مربع وأبوالفرزدق، فدفعه مربع وسقط على الأرض وأصابته بعض الرضوض والكسور، وأقسم الفرزدق على مربع «إن مات أبى لقتلتك»، ولأن الفرزدق وجرير خصمان وغريمان، كل منهما يتربص بالآخر، وخصوصا جرير، فقد وجدها فرصة سانحة للنيل والاستهزاء منه ومن قدره وقوته وأنشد فيه هجاء تناوله الناس فى حينه باستهزاء، ولم يقتل الفرزدق مربعا، وظل بيت الشعر هذا يلاحق الفرزدق ومن هدد وتوعد وأزبد ولم ينفذ ما هدد أو توعد به.

ولهذا البيت من الشعر عند الأستاذ خالد محمد خالد فى هجاء الإخوان المسلمين أيضا إشارة، عندما رأى الإنجليز المرابطون على قناة السويس خطورة فى تواجد الإخوان بمدن القناة، اقترحوا على قيادات الإخوان الانتقال إلى القاهرة، وزودوا الجهاز السرى الذى تم تشكيله بالسلاح والأموال لاغتيال بعض الرموز لشغل الوطنيين عن مقاومة الاحتلال بمدن القناة، وصرف الناس وشباب الإخوان عن الواجب الوطنى، وكان قد تم فصل الأستاذ خالد محمد خالد من الإخوان لخلافه الفكرى والعقائدى معهم، كما أظهره فى كتاب «من هنا نبدأ»- أنصح بقراءته- وفى الوقت الذى يغتال فيه الجهاز السرى للإخوان أحمد ماهر، والخازندار، والنقراشى، يعلن حسن الهضيبى المرشد الثانى للإخوان «أن أعمال العنف لن تخرج الإنجليز من البلاد»، ونصح شباب الإخوان بالانصراف والاعتكاف بالمساجد وقراءة القرآن، ويرد عليه خالد محمد خالد يستهزئ ويسخر منه بمقال «أبشر بطول سلامة يا جورج»، وجورج هم الإنجليز طبعا.

وقد كنت أستبعد هذا البيت من الشعر فى كل ما كانت تصنعه حماس ضد الاحتلال الإسرائيلى، فقد كانت تكسب جولة وتخسر عشرًا، وسط أجواء من الاعتقالات والمضايقات والتضييق والحصار إلا أن الدنيا كانت بالناس تسير وتمضى، عدا هذه المرة، فإن بيت شعر واحدا يستهزئ بما فعلته حماس لا يكفى، فقد قدمت للمحتل أكثر مما يقدمه العدو الغبى أو الصديق الوفى، واسمع ما قاله بنيامين نتنياهو يبرر لشعبه أن فرصة احتلال غزة قد جاءته على طبق من فضة «لم يكن لدينا غطاء شرعى من قبل لاحتلال غزة»، فماذا صنع؟.. ترحيل وإجلاء سكان شمال غزة إلى رفح فى الجنوب، آلاف القتلى والشهداء بلا ثمن أو مقابل، تدمير مئات الألوف من المنازل والبنية التحتية والمدارس والمستشفيات، اعتقال الآلاف من رجال وشباب المقاومة، تصفية جسدية لرموزها، إغلاق المعابر والمنافذ التى تمد المقاومة بالسلاح والمؤن، حصار غزة وعزلها حتى الموت أو النزوح الإجبارى، حتى لو فقدت إسرائيل عشرات من الأسرى، ليس يهم!!، والأيام حبلى بالكوارث والمحن والأمراض والأوبئة وسوء التغذية والأمراض النفسية والعصبية وغيرها الكثير، حتى لو عادت غزة رغما عنه، فإنها ستعود تبحث عن بقاياها وسط الركام سنين عددا.

الغريب والمثير أن آلاف الخطب العصماء نسمعها صباح مساء تجوب السماء والأرض تهدد وتتوعد الاحتلال، ساعة من حزب الله يتوعد بتصعيد المقاومة ورفعها من الرشق «أشواط متقطعة من الرمى» إلى وابل من النيران مستمر وغير متقطع، ومن إيران التى مازالت تحتفظ بحق الرد على مقتل هنية، على أرضها، وغيره على أيدى المحتل الغاشم، إلى الجزائر التى تطالب مصر بفتح حدودها للمقاتلين، إلى قائمة الجهاديين من هنا وهناك يصرخون وينذرون ويهتفون بالجهاد وراء ستار، ولم يتقدم واحد فقط الصفوف ليثأر من المحتل، أو يجاهد فى سبيل نصرة الحق والدين، على أى الأحوال «أبشر بطول سلامة يا بنيامين نتنياهو»؛ طالما أن الفرزدق والجهاديين مازالوا يهددون ويتوعدون.

«الدولة المدنية هى الحل».
نقلا عن المصرى اليوم