لواء د. سمير فرج
خلال ثلاث سنوات عملت فيها ملحقًا عسكريًّا فى العاصمة أنقرة فى تركيا، أعتقد أننى اقتربت طويلًا وكثيرًا من الشعب التركى فى تلك الفترة، فلقد كنت عميد السلك الدبلوماسى العسكرى، وتقريبًا كنت أذهب إلى مطار أنقرة مرتين أسبوعيًّا لأكون فى صف استقبال كبار الزوار لتركيا من الملوك والرؤساء. وبجانب السفير الصينى، عميد السلك الدبلوماسى، الذى قضى هناك عشر سنوات، ويتقن اللغة التركية مثل الأتراك تمامًا.
لذلك كانت لى صداقات كثيرة مع كل الوزراء وكبار رجال الدولة، خاصة أن تلك الفترة كانت استمرارًا للفترة الأتاتوركية فى تاريخ تركيا، الذى كان للعسكريين مكانة أكبر فيه، فلقد كان ترتيب رئيس أركان الجيش التركى قبل رئيس الوزراء. ولكن بعد مجىء الرئيس ديمريل ورئاسته للدولة، جعل رئيس الأركان بعد رئيس الوزراء، أيام كان أردوغان رئيس بلدية اسطنبول.
وبعد مغادرتى تركيا عاد الحكم الإسلامى هناك بوصول نجم الدين أربكان، رئيس حزب الرفاه الإسلامى، وكان أردوغان عضوًا بالحزب، ولكن بعدها قام أردوغان بإنشاء حزب العدالة والتنمية (AKP) ليكون الحزب الدينى الإسلامى الذى تولى زمام البلاد، وتراجعت قبضة العصر الأتاتوركى فى تركيا حتى الآن.
وخلال وجودى فى تركيا شاهدت بنفسى مدى حب الشعب التركى لمصر، والآثار الموجودة فى تركيا الآن شاهدة على ذلك، فإن مسجد السلطان أحمد، أحد معالم تركيا، صنعه وبناه العمال المصريون، وهو نسخة من جامع محمد على فى القلعة، ولكن على مساحة أكبر، كما أن السوق المغطاة، وهى كبرى الأسواق السياحية فى اسطنبول، أقامها الصناع المصريون، وهى أيضًا نسخة مقلدة من خان الخليلى الموجود فى القاهرة، ولكن على مساحة أكبر، أما أهم سوق تجارية شعبية فى اسطنبول فهى سوق مصر بنفس الاسم، ولها ميناء على مضيق البسفور، وفى عصر الإمبراطورية العثمانية كانت تصل الغلال والمنتجات من مصر إلى السوق مباشرة، وهى تماثل فى مصر سوق العتبة.
أما الشعب التركى فهو يعشق الشعب المصرى، والجميع يذكر عندما جاء الشيخ عبدالباسط عبدالصمد المقرئ المشهور ليقرأ القرآن فى جامع السلطان أحمد فى شهر رمضان. كان هناك يوميًّا ٢ مليون تركى فى الشوارع حول جامع السلطان أحمد يستمعون إلى صوت الشيخ عبدالباسط حتى صلاة الفجر.
وجاءت زيارة الرئيس السيسى لفتح صفحة جديدة فى العلاقات التى سادها عدم الاستقرار فى السنوات الماضية. وكان قرار الرئيس أردوغان باستقبال الرئيس السيسى فى مطار أنقرة بنفسه مخالفًا لكل الأعراف والتقاليد السابقة أن الرئيس التركى يستقبل ضيفه فى القصر الرئاسى فى شنكاية.
ولقد كانت أولى نتائج الزيارة الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجى المصرى التركى ليكون شكلًا جديدًا للعلاقات المصرية التركية فى الفترة القادمة.
وأعتقد أنه عندما يتم رفع التبادل التجارى بين البلدين إلى ما قيمته ١٥ مليار دولار فهو تطور كبير فى العلاقات بين مصر وتركيا، خاصة قرار إزالة العوائق أمام المستثمرين.
كذلك جاء قرار مواصلة الحوار السياسى والدبلوماسى وتوسيع التشاور فى المجال العسكرى والأمنى، وهو أمر مهم للغاية، وإن كان لم يتم شرح تفاصيله حتى الآن، إلا أنه من الواضح سيكون له تأثير كبير على التعاون فى هذا المجال فى المرحلة القادمة.
وجاء قرار تطابق الفكر المصرى والتركى مهمًّا جدًّا فى القضايا الراهنة، وأولاها المشكلة الفلسطينية والأحداث فى غزة.
وجاء توقيع الطرفين على مذكرات تفاهم فى مجالات المالية والبيئة والعمران والصحة والطاقة والطيران المدنى والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتعليم العالى وبناء القدرات فى مجال السكة الحديد وتدريب الدبلوماسيين كلها مجالات مشتركة للدولتين المصرية والتركية.
وفى مجالات التعاون فى التصدى للإرهاب أعتقد أن تركيا تحتاج إلى الخبرة المصرية فى ذلك المجال. وفيما يخص ليبيا جاء التأكيد على الدور الكبير للدولتين فى تيسير مهمة مندوب الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار فى ليبيا. كذلك السودان والعراق والتأكيد على سيادة البلاد فى كافة المجالات.
ولعل أهم ما جاء فى هذا البيان الاتفاق على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية.
وأعتقد أن كلمات الرئيسين السيسى وأردوغان جاءت معبرة عن تطلعات كل منهما لبدء فترة جديدة فى العلاقات لصالح مصر وتركيا فى الفترة المقبلة.
وأتذكر خلال وجودى فى الولايات المتحدة منذ فترة أننى قابلت السيد أرميتاج، أحد أعضاء مجلس الدفاع القومى الأمريكى، المكون من ١٧ عضوًا، وكنا نتحدث عن الأوضاع فى الشرق الأوسط.
وذكر خلال اللقاء أنه كان عائدًا لتوه من تركيا، حيث تقابل مع الرئيس أردوغان، واستطرد أن الحديث تطرق مع أردوغان بعد ذلك إلى الموقف فى الشرق الأوسط. وسأله عن العلاقات مع مصر، خاصة أنكم ومصر أقوى دولتين فى المنطقة، ويجب أن تكون بينكما علاقات قوية مستقرة لصالح أمن واستقرار الشرق الأوسط.
وهنا أتذكر يوم تقديم السفير محمد الديوانى أوراق اعتماده سفيرًا مصريًّا إلى الرئيس التركى تورجت أوزال. وكنت موجودًا فى هذا اللقاء. وبعد تقديم أوراق الاعتماد، أصر الرئيس تورجت على أن يلتقى بالسفير المصرى الجديد، وبالطبع كنت معه.
ويومها، تحدث الرئيس التركى أن الشعب التركى يكن كل الحب والتقدير للشعب المصرى ورئيسه، وأن تركيا ومصر أهم دولتين فى المنطقة.
وأشاد بما حدث الأيام الماضية خلال حرب تحرير الكويت، ومَن الذى قدم الدعم لأمريكا ودول أوروبا فى المشاركة فى تحرير الكويت؟، هى مصر وتركيا. لذلك يجب أن يظل التعاون بينهما قويًّا لأننا مفتاح الأمن والأمان فى الشرق الأوسط. وحتى إسرائيل، التى هى طفل أمريكا المدلل فى المنطقة، لا يمكن أن تفعل شيئًا.
تظل مصر هى أساس التوازن فى الشرق الأوسط. واعتقد أن حديثه كان سليمًا، وهكذا يعود البلدان مصر وتركيا ليكونا رمانة الميزان فى الشرق الأوسط، وتعود العلاقات كما كانت من قبل لصالح مصر وتركيا ودول العالم كله.
نقلا عن المصرى اليوم