ماجد سوس
منذ أيام كنت أسير بسيارتي على الطريق، وفجأة توقفت السيارة التي أمامي بدون سبب فاصطدمت بها، لم يحدث لسيارته الضخمة شيئا وانطلق هربا بسرعة من مكان الحادث. أما سيارتي فقد انفتحت أكياس الهواء في وجهي وانفجر منها غاز الهيليوم وتصورت لوهلة أن الدخان الذي أراه هو بداية انفجار السيارة وأنني سألقى حتفي خلال دقائق. كان الموقف مرعبًا للغاية، شعرت معه بأن حياتي قد انتهت في تلك اللحظة. لكن في جزء من الثانية، حدث شيء لم أكن أتوقعه، وكأن قوة خفية حفظتني بعيدا عن دائرة الموت. أدركت حينها أني محفوظ في يد الله.
كنتت طفلا في السابعة من عمري تقريبا وكنت أزور خالي في شقته التي في الدور الخامس في المصيف. وخرجت ألعب في بلكون صغير، وعن دون قصد أغلق أحدهم شيش البلكون وخرج وظللت محبوساً وأنا ابكي وأطرق على الشيش دون جدوى. وقررت في تصرف غير عاقل أن اقفز من بلكونتي إلى بلكونة أخرى ولم تكن الشرفتان متلاصقان ولست أدري كيف فعلت هذا رغم صغر حجمي وكيف لم أسقط من الدور الخامس.
بعد هذه القصة بأكثر من عشرين عاما كنت قد صليت كثيرا طالبا من الله أن يسمح لي أن ألتقي الأب متى المسكين وأتحاور معه لأنه كان كعادته معتكفا لا يرى أحد ومن الصعب مقابلته ونمت يوما بعد أن طلبت هذه الطلبة وإذا بوالدي ينقذني مبكرا ويقول أرتدي ملابس فوراً لأن أبونا متى ينتظرنا تحت منزلنا. في البداية تصورت أنه حلم، ولكن عرفت انه حقيقة من صراخ أبي لأتحرك بسرعة. تساقطت دموعي من الشدة الفرح ونزلت إلى السيارة التي يجلس فيها أبونا الكبير وطلب والدي أن يركب الجميع معه في السيارة وركب أحد الرهبان بجانب أبي وجلست أنا بجانب ابونا متى في السيارة.
قال أبونا متى أن أحد أحباء الدير قام تسجيل شقة للدير والمطلوب توقيعه في الشهر العقاري. عندما وصلنا إلى مكتب توثيق العقود، رفض أبي أن ينزل أبونا متى من السيارة خاصة ان الشهر العقاري كان مزدحماً وقال سأدفع رسوم لجعل الموظف هو من يخرج لأبونا في السيارة وطالت الإجراءات وبقيت أنا وأبونا بمفردنا لأكثر من الساعة يكلمني فيها عن المسيح وعن الملكوت وفجأة قالي لي أنت محمي يا أبني ويا للعجب لقد ذكر لي القصة التي حدثت لي في الطفولة والتي كنت قد نسيتها وقال لي وأنت صغير قفزت من بلكونة لأخرى وحملتك ملائكة لئلا تسقط. كيف عرف القصة وإن كان قد عرفها كيف تذكرها والأهم هو أنني أيقنت من هذه اللحظة أنه الرب يسيِّج عليّ بحمايته كما يفعل هذه مع كل أولاده.
ومنذ ذلك اليوم، وقد صرت أفكر بعمق في تلك الحماية التي يحيطنا الله بها بحب غير مشروط، تشعره يا أخي ويا أختي كلما اقتربت من التجارب، او الموت، أو المرض، أو الضياع. حب غير متوقف على نقاءك وتقواك أو حتى مواظبتك على الصلاة أو قراءة الكتاب أو الذهاب للكنيسة. حب من نوع آخر، حب الأب لطفله الصغير الذي يحمله ويحتضنه بملابسه المتسخة وأخطاءه المتكررة. حب سرمدي أبدي، وجوده مع وجود الله. حب يقدمه بإرادته ومسرة أبيه وروحه القدوس. حب قاده إلى أن يرفع خطيتك وخطيتي من خلال موت ودم وصليب، وإهانة، وهزء، وتفل وشك وإنكار.
على أن الأمر لم يتوقف عند الصليب كما يتصور البعض، ولا عند إله ضعيف، أو مهزوم كما يتهكم علينا البعض. بل لأنه رئيس الحياة لم يقدر عليه الموت. وكما أنه الوحيد المولود بلا حيوان منوي لذا لم يرث لا الخطية ولا طبيعة الخطية ولا نتائجها. هو أيضا الوحيد الذي أقام نفسه من الموت وكيف لا وهو الحياة ذاتها. من داس على الموت وأباده مثله. من أمر الموت أن يترك ابن يايرس، وابن أرملة نايين. من في التاريخ أقام إنسان بعد أن تحلل جسده بعد أربعة أيام كما فعل مع ألعازر. من أمر الرياح والعواصف والبحر فأطاعته. بل الأكثر من كل هذا من في التاريخ قد غفر خطايا الناس.
عزيزي افرح لأن عدم محبتك لا تبطل محبة الله. افرح ان سيظل يبحث عنك حتى يخلصك ويفتح لك الفردوس كما فعل مع اللص اليمين. افرح لأنك في قلبه تسكن وعلى كفه منقوش اسمك. فلنعط المجد كل المجد للثالوث الأقدس إلهنا الواحد للأبد.