مودي حكيم
شتائم ونقد لاذع وسخرية علنية وألفاظ صادمة وملفات حساسة من هجرة واقتصاد وغيرهما، بين متنافسين تشتعل بينهما الانتخابات الأمريكية القادمة، مغلفة بالوعود، وأمنيات قد تقود إلى الرخاء، فى مناظرات تليفزيونية، وتصريحات ومواقف مثيرة للجدل، فى محاولة لإقناع الناخبين بصلاحية كلٍّ منهما.

أحدهما قريب من اليمين المتشدد فى حزبه، واشتهر بعدائه للمهاجرين، رجل أعمال يؤمن بقدرته الشخصية على استرجاع عظمة أمريكا، معتمدًا على التواصل المباشر مع الأمريكيين، وهو ما يجعله يبدو قريبًا من الشعب. والأخرى امرأة تمتاز بشخصية ودودة وخبرة واسعة فى الخدمة العامة، وقد تحافظ على تقدمها على المستوى الوطنى. رغم تقدم ترامب عليها فى الاستطلاع الذى أجرته «نيويورك تايمز» والمنافسة بين «هاريس» و«ترامب» لا تتعدى ١-٣٪.

قصة حياة «هاريس» كموظفة عامة ذكية وملتزمة ومتعاطفة، تتجسد فى كتاب من تأليف السياسية الطموحة بعنوان «الحقائق التى نتمسك بها» لكامالا هاريس، الذى نشرته دار نشر «بنجوين» عام ٢٠١٩.

فى هذا الكتاب الذى يتناول فلسفة الحياة والسيرة الذاتية، تتحدث «هاريس» عن طفولتها التى نشأت فيها فى أسرة من الطبقة المتوسطة فى شمال كاليفورنيا وتأثير والدتها الهندية، التى قالت: «لا تدع أحدًا يخبرك من أنت. أخبرهم من أنت». ولأنها مدركة تمامًا لجذورها السوداء التى ورثتها عن والدها الجامايكى، التحقت «هاريس» بجامعة هوارد. كانت هذه العناصر أساسية فى تشكيل حياتها ووجهة نظرها. تناقش «هاريس» كيف عززت خلفيتها وتربيتها ولاءها للعائلة والتزامها العميق بالعدالة المتساوية لجميع الناس. أثرت هذه التربية على قرارها بالالتحاق بكلية الحقوق ومسار حياتها المهنية اللاحق من المدعى العام إلى المدعى العام لولاية كاليفورنيا إلى عضو مجلس الشيوخ الأمريكى. ينتهى الكتاب قبل اختيارها من قبل جو بايدن لتكون زميلته فى الترشح ونائبة الرئيس فى النهاية.

تقدم «هاريس» العديد من الملاحظات التى توفر نظرة ثاقبة لمبادئها ومعتقداتها. إن الثقة من أهم هذه المبادئ. وتكتب: «أعتقد أنه لا يوجد ترياق أكثر أهمية وفاعلية فى مثل هذه الأوقات من علاقة الثقة المتبادلة. أنت تعطى وتتلقى الثقة. وأحد أهم المكونات فى علاقة الثقة هو أننا نقول الحقيقة». فتروى حكاية توضح شجاعتها فى تعزيز الثقة والتحدث بالحقيقة للسلطة. فبصفتها المدعية العامة لولاية كاليفورنيا أثناء أزمة الرهن العقارى فى البلاد، كانت البنوك تعرض دفع ما لا يقل عن ٤ مليارات دولار للمتضررين فى كاليفورنيا. وأجرت «هاريس» محادثة هاتفية ساخنة مع الرئيس التنفيذى لبنك «جى بى مورجان تشيس» جيمى ديمون. وبدلاً من الخضوع، تمسكت بموقفها. وبعد تلك الحادثة تحول التعهد بدفع ٤ مليارات دولار إلى التزام بدفع ١٨ مليار دولار.

لقد اكتسبت «هاريس» سمعة كمدعية عامة صارمة، شعورها بالمساواة وتعاطفها ورحمتها، كل ذلك واضح فى جميع صفحات كتاب «الحقائق التى نتمسك بها». فتعتقد أنه من الأهمية بمكان أن نفهم بعضنا البعض ونجد أرضية مشتركة: «... ما يهم أكثر هو أن نرى أنفسنا فى صراعات بعضنا البعض... بغض النظر عمن نحن أو كيف نبدو أو مدى ضآلة ما قد يبدو بيننا من قواسم مشتركة، فإن الحقيقة هى أننا فى معركة الحقوق المدنية والعدالة الاقتصادية جميعنا متشابهون».

لقد شعرت «هاريس» بالغضب الشخصى عندما واجهت تأثير السياسة الأمريكية فى ظل إدارة «ترامب» لفصل أطفال المهاجرين عن والديهم: «لا يوجد سوى عدد قليل من الأشياء أكثر قسوة، وأكثر لا إنسانية، وأكثر شرًا من انتزاع طفل من أحضان والديه. يجب أن ندرك جميعًا أن هذا صحيح على مستوى غريزى... يتم الحكم على المجتمع بالطريقة التى يعامل بها أطفاله، وسيحكم علينا التاريخ بقسوة بسبب هذا».

وبصفتها امرأة مختلطة العرق اضطرت إلى التنقل فى عالم مهنى يهيمن عليه الذكور البيض إلى حد كبير، تتمتع «هاريس» بمنظور حاد بشأن التحيز. مشيرة لمجموعة متزايدة من الأبحاث كجزء من المشكلة فهو التحيز اللا واعى الضمنى، على غرار ما نراه فى أقسام الشرطة.

فى الفصل الختامى من كتابها، تشارك «هاريس» العديد من الأشياء التى تعلمتها حتى الآن فى حياتها ومسيرتها المهنية. كلٌّ منها يظهر وعيًا ذاتيًا وقدرة على معالجة المعلومات المكتسبة من تجاربها وتحويلها إلى رؤى ذات مغزى ونتائج إيجابية فتناقش «هاريس» آثار اللغة: «... ما نسمى به الأشياء، وكيف نعرّفها، يشكل كيفية تفكير الناس فيها. فى كثير من الأحيان تُستخدم الكلمات لإهانة انطباعاتنا عن القضايا، أو عن بعضنا البعض». وتعرف «هاريس» الوطنية بطريقة غير تقليدية: «الوطنى ليس شخصًا يتسامح مع سلوك بلدنا، مهما كان، إنه شخص يقاتل كل يوم من أجل المثل العليا للبلاد، مهما كان الأمر».

وأخيرًا، تشارك «هاريس» بعض الأفكار حول تحفيز الشابات فى محادثات أطلقت عليها «نادى النماذج». وعندما تتحدث إليهن تقول إنها تشجع هؤلاء النجوم الصاعدين بالطرق التالية:

«... أيًا كانت المهنة التى يختارونها، يتعين عليهم أن يستمروا فى رفع أيديهم، ومشاركة أفكارهم الجيدة- والحصول على الأفضل منها- وأن يعرفوا أنهم يستحقون الصعود إلى أعلى ما يجرؤون على تسلقه. كما أخبرهم أنه عندما يرون الآخرين فى حاجة يتعين عليهم بذل قصارى جهدهم لدعمهم».

بعد قراءة كتاب «الحقائق التى نتمسك بها» لكامالا هاريس، هل يشفع لها ما حققته بالفعل وما تريد تحقيقه فى المستقبل، وصدق الطريقة التى تعبر بها عن نفسها بعبارات إنسانية حقيقية، وما تؤمن به؟، فليس من المستغرب أن تمتلك القدرة الفطرية على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطى وخلق موجة من الحماس والتعضيد لها، وخطاباتها تنضح بالتفاؤل والبهجة التى تميز حملتها. ومع معرفة المزيد عن «هاريس» أعتقد أن قصتها ورؤيتها سوف يتردد صداها عبر الخطوط الديموغرافية والفلسفية، وأن ترشيحها ستكون له جاذبية واسعة. ربما يؤدى ذلك إلى انتصار تاريخى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠٢٤.

... والله أعلم!.
نقلا عن المصرى اليوم