أثارت صحيفة "جويش كرونيكل" البريطانية جدلا واسعا بعد اضطرارها لحذف مقالات مضللة نشرها "صحفي مستقل" بشأن الحرب في غزة. وانسحب منها مشاهير الصحفيين.

 
وحذفت الصحيفة مقالا لصحفي مستقل، في محاولة للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي بما يتوافق مع موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
 
وغادر العديد من الصحفيين البارزين صحيفة "جويش كرونيكل" الأسبوعية الصادرة في لندن بعدما اضطرت إلى حذف مقالات لأحد كتابها تتعلق بالحرب في غزة بسبب "أخطاء"، فيما قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إنه يأتي ضمن حملة مضللة في الإعلام الأجنبي، بهدف التأثير على الرأي العام الإسرائيلي خلال الحرب وأثناء محاولات التفاوض على صفقة تبادل أسرى مع "حماس"، بما يتلاءم مع رؤية رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وموقفه من المفاوضات.
 
وجاء في أحد المقالات المعنية نقلا عن "مصادر استخباراتية"، معلومات عن خطة قيل إن قائد حركة "حماس" في قطاع غزة، يحيى السنوار، الذي أصبح رئيس المكتب السياسي للحركة في أغسطس الماضي، وضعها لفراره من قطاع غزة ونقل الرهائن الإسرائيليين إلى مصر عبر محور "صلاح الدين" (فيلادلفيا) الحدودي بين مصر وقطاع غزة.
 
في حين أن هذه الادعاءات أثارت جدلا في إسرائيل، وحسب ما ذكرت وسائل إعلام عبرية، نفى الجيش الإسرائيلي علمه بوجود وثيقة تتناول خطة مماثلة كما ورد في المقال، وقرر الجيش الإسرائيلي فتح تحقيق داخلي بتسريب وثائق مزوّرة يُزعم أنها لحركة "حماس"، نُشرت في وسائل إعلام أجنبية، بما يتوافق مع ما يدّعيه ويروج له نتنياهو بشأن المفاوضات مع "حماس".
 
وبرز محور فيلادلفيا الحدودي مع  مصر كنقطة خلاف رئيسية في محادثات التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين "حماس" وإٍسرائيل، حيث أصر نتنياهو على إبقاء قوات الجيش الإسرائيلي فيه، وذلك خلافا لموقف وزير دفاعه، يوآف غالانت، ومسؤولين في فريق المفاوضات والأجهزة الأمنية، فيما تشترط حركة "حماس" انسحابا إسرائيليا كاملا من القطاع، وفق تقارير إسرائيلية وعربية.
 
ودفع هذا الجدل حول الصحيفة البريطانية إلى إجراء "تحقيق شامل" في شأن كاتبه، وهو الصحفي المستقل إيلون بيري، الذي قالت الصحيفة إنه "كان يعمل لصالح الجيش الإسرائيلي"
 
وذكرت صحيفة "جويش كرونيكل" أنه "على الرغم من أننا نعلم أنه خدم في الجيش الإسرائيلي، إلا أننا غير راضين عن بعض مزاعمه".
 
كما أعرب رئيس تحرير الصحيفة جيك واليس سايمونز يوم الأحد، عن اعتذاره لنشر المقال، مشيرا إلى أن الصحيفة "قطعت كل علاقاتها" مع الكاتب وأزالت كل مقالاته من موقعها على الإنترنت.
 
وتابع: "أتحمل المسؤولية الكاملة عن الأخطاء التي ارتكبت وسأتحمل المسؤولية نفسها لضمان عدم حدوث أمر مماثل مرة أخرى".
 
ويشكل هذا التراجع والاعتذار ضربة قاسية للصحيفة الأسبوعية التي تصدر باللغة الإنجليزية وتتخذ من لندن مقرا لها، علما بأن الصحيفة التي تأسست عام 1841، تقدم نفسها على أنها أقدم صحيفة يهودية في العالم.
 
وسائل إعلام إسرائيلية كشفت أن الاسم الحقيقي لكاتب المقال ليس إيلون بيري، بل إيلي يفراح، وأنه لم يكن، كما تزعم سيرته الذاتية، مقاتلا في عملية عنتيبي، ولا أستاذا في الجامعة، ولا من فرق المستعربين، ولا صحفيا لمدة 25 عاما.
 
واحتجاجا على نشر المقال، أعلن جوناثان فريدلاند الصحفي العامل مع صحيفة "جويش كرونيكل" منذ العام 1998 والذي عمل والده معها أيضا، قطع علاقاته بالصحيفة، يوم الأحد، بعد "الفضيحة الأخيرة"، واتهمها بأنها "أداة حزبية وإيديولوجية".
 
وأعلن صحفيان آخران هما ديفيد آرونوفيتش وهادلي فريمان أيضا وقف تعاونهما مع الصحيفة، وكذلك الكاتب ومقدم البرامج ديفيد بادييل.
 
ورأى محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، رونين بيرغمان، أن نشر المقال في "جويش كرونيكل" جاء ضمن "جزء من ثلاثة أخبار مضللة أو كاذبة تم نشرها في الإعلام الأجنبي، بهدف التأثير على الرأي العام الإسرائيلي خلال الحرب وأثناء محاولات التفاوض على صفقة تبادل الأسرى"،، مشيرا إلى أن زوجة رئيس الحكومة الإسرائيلية، سارة نتنياهو، استشهدت بهذه المقالات لتبرير إصرار زوجها على إبقاء القوات الإسرائيلية في محور فيلادلفيا.
 
وأشار إلى ثلاثة أخبار مزورة ومجتزأة مسربة لوسائل الإعلام للتأثير على الرأي العام بما يخدم مصالح نتنياهو، بما في ذلك:
 
- وثيقة أشار إليها نتنياهو أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده في مطلع الشهر الجاري لتبرير موقفه المتعلق برفض سحب القوات الإسرائيلية من محور فيلادلفيا وزعم أنها "وثيقة توجيهات من السنوار" ثم قال إنها "من أحد قادة حماس".
 
- الخبر الثاني عبارة عن تقرير يتناول محتوى وثيقة "حماس"، إلى جانب "تحقيقات مع عناصر حماس اعتقلتهم إسرائيل"، نشرته "جويش كرونيكل" البريطانية، والتي تتناول خطة سرية مزعومة للسنوار لتهريب نفسه والأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة إلى "إيران أو اليمن"، بما يتوافق مع مزاعم نتنياهو.
 
- الوثيقة الثالثة التي جاءت ضمن هذه المحاولة للتأثير على الرأي العام الإسرائيلي، بحسب بيرغمان، هي الوثيقة التي نشرتها صحيفة "بيلد" الألمانية، وهي وثيقة حقيقية، لكن عند مراجعتها يظهر أن مضمونها معاكس تماما لما ادعته الصحيفة الألمانية، التي زعمت أنها كُتبت بواسطة الاستخبارات العسكرية لكتائب "القسام" وتحتوي على توجيهات من السنوار، ليتضح أن التقرير اجتزأ من الوثيقة "في محاولة لإثبات أن حماس لا تهتم بنهاية سريعة للحرب أو بمعاناة المدنيين الفلسطينيين".