الاب جون جبرائيل
(أ) إيطالي، هو أكبر اسم في القرن الحادي عشر، وهو مشهور بدليل على وجود الله ما زال يفتن الكثيرين من الفلاسفة إلى أيامنا، تعلم وعلم بفرنسا، فطار صيته وجذب إليه الشبان من أنحاء فرنسا وإنجلترا، وصار الدير بفضله معهدًا ممتازًا، وفي سنة ١٠٩٣ عين رئيسًا لأساقفة كنتربري، فشغل هذا المنصب حتى وفاته، وقد شغله إيطالي آخر من قبله، إذ كانت المسيحية الغربية حينذاك أمة واحدة.
(ب) كتبه قليلة العدد، رصينة الأسلوب، تدور كلها على وجود الله وصفاته، وتنصح كلها بالأوغسطينية، ومنهجه «تعقل الإيمان» كما قال أوغسطين: الإيمان يولد في النفس المحبة، والمحبة تدفع بالنفس إلى استعجال الرؤية الآجلة بالاستدلال، فالإيمان شرط التعقل، وقد قال النبي إشعيا: «إن لم تؤمنوا فلن تفهموا»، فإن الذي لا يؤمن لا يشعر بموضوع الإيمان، والذي لا يشعر لا يفهم، إن الشعور بالشيء يفوق مجرد سماع الحديث عنه، والتعقل وسط بين الإيمان في الحياة الدنيا، ومعاينة الله في الآخرة، هو اقتراب من علم الله، وبناء على ذلك ينكر أنسلم على الجدليين محاولتهم إخضاع الإيمان للمنطق، أي مناقشة موضوعه كما لو كان من الممكن ألا يكون صادقًا، ويخالف معارضي المنطق في اقتصارهم على السنة فيقول: إن الرسل والآباء لم يقولوا كل شيء، وإن الحقيقة لأوسع وأعمق من أن يأتي البشر على آخرها، أجل إن العقل في فحصه عن معاني العقائد لن يبلغ أبدًا إلى تمام إدراكها، ولكن له أن يذهب في الفحص إلى أبعد حد مستطاع فحيث يتعذر عليه الوصول إلى برهان ضروري، قد يهتدي إلى تشابيه تقرب للفهم معنى الثالوث الأقدس مثلًا، وإلى أسباب أو دواع تفسر ملاءمة التجسد، وهكذا.
يوسف كرم، تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط، مؤسّسة هنداوي: