ياسر أيوب
قبل أن أحكى عما قام به هؤلاء المواطنون الإسبان، الذين ليس منهم مسؤولون كبار أو سياسيون وفنانون ورجال أعمال ونجوم مجتمع.. لابد أولًا من التأكيد على أن ريال مدريد ليس مجرد نادٍ فى مدريد، إنما إحدى أقوى وأهم هيئات العاصمة الإسبانية، وأيضًا أكثرها شهرة ونفوذًا وتأثيرًا.. هو أيضًا رمز لمدريد، واختصار لكثير من تاريخها وتحولاتها، وشريك أساسى فى أفراحها، وتجسيد دائم لقوتها وكبريائها.. وكان هؤلاء المواطنون الإسبان العاديون يعرفون ويدركون كل ذلك، ولم يمنعهم الأمر من اللجوء إلى القضاء ضد ريال مدريد، وأن يبدأوا حربًا كانوا وحدهم مؤمنين بأنهم سيربحونها دفاعًا عن حقوقهم.
فهؤلاء يقيمون فى منطقة تشامارتين وسط مدريد، وتقع بيوتهم بالتحديد فى شوارع باسيو دى لا كاستيلانا وداميان بادرى ورافاييل سالجادو؛ أى حول استاد بيرنابو الخاص بريال مدريد.. وفوجئ هؤلاء بالحفلات الغنائية، التى بدأ يقيمها الريال فى بيرنابو.. ضجيج وصخب وضوضاء تستمر إلى ما بعد منتصف الليل.. وكل ذلك كان مخالفًا لما أعلنه فلورنتينو بيريز، رئيس الريال، عند اكتمال تطوير وتجديد بيرنابو بتكلفة زادت على المليار يورو.. فإلى جانب المطاعم الكثيرة والمول التجارى والفندق المطل على الملعب، هناك السقف الذى يمكن تمديده أو طيه فى ١٥ دقيقة، ليس فقط للاستخدام عند هطول المطر، ولكن أيضًا لتقليل الضوضاء أثناء المباريات والحفلات حرصًا على راحة أهل المنطقة.
ثم اكتشف جيران البيرنابو أن ذلك ليس صحيحًا.. ولأن الريال لابد أن يحصل على تصريح استثنائى قبل إقامة أى حفلة من دار بلدية مدريد.. فقد لجأ الجيران إلى خوسيه لويس مارتينيز، عمدة مدريد، يطالبونه بوقف هذه التصريحات المؤقتة.. لكنهم فوجئوا بالعمدة يؤيد الريال، ويؤكد أن هذه الحفلات تفيد السياحة إلى إسبانيا، وأنها مهمة جدًّا لمدينة مدريد وصورتها واقتصادها قبل أن تفيد ناديها الملكى.. ولم يستسلم الجيران، وواصلوا الحرب، فقاموا بقياس درجة ضوضاء الحفلات، وتبين أنها تزيد كثيرًا على الحد المسموح به، إلى جانب الفوضى حول الاستاد فى شوارعهم وأمام بيوتهم وإزعاج السكارى وحالات القىء والتبول فى الشارع.. وعلى الرغم من إعلان خوسيه مانويل باريديس، المتحدث باسم تحالف هؤلاء الجيران، بأنهم أشبه بنملة صغيرة قررت الوقوف أمام وحش ضخم.. فإن النملة هى التى انتصرت وليس الوحش.. واضطر ريال مدريد، منذ أيام قليلة، إلى إعلان تأجيل الحفلات، التى كان من المقرر إقامتها فى بيرنابو فى الشهور المقبلة. وسيقوم الريال ومهندسوه بالبحث عن حلول جذرية للحد من الصخب والضوضاء وعدم إزعاج أى أحد خارج بيرنابو.. وهكذا توقفت الحفلات، وانتصر مواطنون كان الجميع فى البداية ضدهم، ثم انتصر لهم القضاء.
نقلا عن المصرى اليوم