لواء د. سمير فرج
خلال العام الماضى، كان الجميع يسألنى مَن الذى سيكسب الانتخابات الأمريكية القادمة، ويجلس على كرسى المكتب البيضاوى فى البيت الأبيض فى واشنطن يوم ٢٠ يناير ٢٠٢٥م، وكان ردى على الفور دونالد ترامب لأنه سيكسب الرئيس الحالى جو بايدن فى الانتخابات القادمة، وكعادة الولايات المتحدة أن تفاجئ العالم دائمًا بأحداث جديدة، وذلك عندما حدثت المناظرة بين دونالد ترامب والرئيس بايدن.

لكى يتفوق ترامب على منافسه بجدارة، وبعدها يعلن جو بايدن انسحابه من سباق الرئاسة القادمة. ويوافق الحزب الديمقراطى على ترشيح كامالا هاريس، النائب الحالى للرئيس الأمريكى، لكى تخوض انتخابات الرئاسة القادمة أمام ترامب، وهنا ظهرت حسابات جديدة هل يمكن أن تفعلها كامالا هاريس، وتصبح أول سيدة من أصحاب البشرة السمراء رئيسة للولايات المتحدة فى الانتخابات الرئاسية القادمة؟.

ويبدأ السؤال مَن هى كامالا هاريس، نقول إنها سياسية ومحامية أمريكية شغلت من قبل منصب عضو مجلس الشيوخ الأمريكى عن ولاية كاليفورنيا منذ عام ٢٠١٧، وكانت والدتها شياما لغوبلان عالِمة هندية متخصصة فى سرطان الثدى هاجرت من الهند إلى الولايات المتحدة بهدف الحصول على الدكتوراه من أمريكا. وتزوجت من والد كامالا دونالد هاريس، أستاذ الاقتصاد فى جامعة ستانفورد، وهو أيضًا مهاجر من جامايكا عام ١٩٦١، لذلك فإن والدتها ووالدها الاثنين مهاجران من خارج أمريكا، لذلك تُصنف كامالا على أنها هندية، ومن أصحاب البشرة السمراء، ورغم أنها منذ صغرها كانت تتردد على كنيسة معمدانية لأصحاب البشرة السمراء، إلا أنها أيضًا اعتادت ارتياد أحد المعابد الهندوسية.

ولقد انفصل والدا كامالا، وهى فى السابعة من عمرها، ومُنحت للأم حضانة كامالا وأختها، وبعد تخرج كامالا هاريس من المدرسة الثانوية عام ١٩٨٠ التحقت بجامعة فى واشنطن فى مجال الاقتصاد والعلوم السياسية.

ثم عادت إلى كاليفورنيا، وحصلت على الدكتوراه فى القانون من جامعة كاليفورنيا. بعدها تم تعيينها نائبًا للمحامى العام. وفى عام ٢٠١٠ فازت فى انتخابات المدعى العام لولاية كاليفورنيا كلها، وبعدها فازت فى انتخابات مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا، وفى يناير ٢٠٢١، أصبحت نائبة رقم ٢٩ لرئيس الولايات المتحدة، وقادت البلاد فى وقتها قيادة مؤقتة لمدة ساعة ونصف الساعة، عندما خضع الرئيس بايدن لفحص روتينى.

والآن أصبحت المنافسة فى سباق الرئاسة الأمريكية للرئيس القادم رقم ٥٠ للولايات المتحدة. وفى شيكاغو فى ولاية إلينوى انعقد مؤتمر للحزب الديمقراطى لمدة أربعة أيام، بعدها تُوجت كامالا لتصبح المرشحة الرسمية للحزب فى الانتخابات القادمة أمام ترامب.

ولقد تحدث فى ذلك المؤتمر كل من الأعضاء القدامى للحزب الديمقراطى هيلارى كلينتون، وميشيل أوباما، والرئيس جو بايدن، والرئيس الأسبق أوباما، والرئيس الأسبق كلينتون، ومعظم الأعضاء البارزين فى الحزب، حيث حث الجميع الشعب الأمريكى على انتخاب كامالا لتكون الرئيس الخمسين القادم للولايات المتحدة الأمريكية، وفى هذا المؤتمر الذى استمر أربعة أيام تحدثت كامالا ببساطة أمام الآلاف من جموع الحاشدين لتخاطب الطبقة الوسطى فى أمريكا، حيث حكت قصتها وهى طفلة، ولم تكن تملك الأموال لكى تستكمل دراستها فى الجامعة، فقامت بالعمل فى مطاعم ماكدونالدز حتى تساعد والدتها.

لذلك قصت للجميع أنها تلك الطفلة من الطبقة المتوسطة التى عانت كثيرًا فى حياتها، لذلك فهى تعرف معاناة الطبقة الوسطى فى أمريكا، والتى سوف تقف معها عندما تصبح رئيسة لأمريكا. ثم حكت قصة أنها تأثرت بصديقتها فى المدرسة الثانوية، والتى تعرضت للتحرش من زوج أمها، وكانت تقصد بذلك التلميح على ترامب بشأن قضايا التحرش الخاصة به.

ولقد بدأت المعركة السياسية الانتخابية بينها وبين الرئيس الأسبق ترامب فور قرار جو بايدن عدم خوض الرئاسة القادمة، حيث بدأ ترامب يهاجم بشدة كامالا، وادّعَى أنها ليست سيدة من أصحاب البشرة السمراء، وهو تعبير فى أمريكا يشير إلى الأمريكيين من أصحاب البشرة السمراء القادمين من إفريقيا، والذين يشكلون نسبة كبيرة مؤثرة فى المجتمع الأمريكى، وقال إنه يجب ألا تستغل بشرتها السمراء لجذب أصوات أصحاب البشرة السمراء فى أمريكا، حيث قال إن أصلها الهندى لا يعطيها الحق لكى تكون من سود أمريكا.

واندفع ترامب ليهاجم كامالا بضراوة ليقول إنها مسؤولة عن فشل سياسة الرئيس بايدن لأنها كانت النائبة له ومشاركة له فى كل قرار، وإن قراراته تجاه الحرب الروسية والحرب فى غزة كلها خاطئة، وإن ترامب، لو كان موجودًا، لما حدثت تلك الحروب، بل أضاف أن سياسة الحزب الديمقراطى، ووجود كامالا فى الفترة القادمة سوف يجعل العالم يدخل فى حرب عالمية ثالثة. وبالطبع أصبحت كل مؤتمرات ترامب تشدد على مهاجمة كامالا، حيث بدأ فى وصفها بأنها شيوعية لأنها ذكرت أنها تريد تنظيم أسعار المنتجات الأمريكية، وهذا لا يحدث إلا فى الدول الشيوعية.

وعلى الطرف الآخر بدأت كامالا تستميل الشعب الأمريكى، وخاصة الطبقة المتوسطة، وهم الأغلبية فى أمريكا، حيث قالت إنها من هذه الطبقة، وإنها عانت كثيرًا هى وأمها، وتعلم قيمة هذه الطبقة التى تحتاج إلى عناية الدولة عكس الأغنياء. وتعنى بالطبع ترامب الغنى بأمواله. كما أنها دافعت عن نفسها أمام ترامب عندما وصفها بأنها شيوعية، وأنها بذلك تقضى على الحلم الأمريكى. كما أكدت أن ترامب يقاتل من أجل أصحاب المليارات والشركات الكبرى، وقالت لكننى سأقاتل لإعادة الأموال إلى الأمريكيين العاملين من الطبقة المتوسطة.

ومن هنا جاءت استطلاعات الرأى لتشير إلى تقدم كامالا على ترامب فى ثلاث ولايات، وهو الأمر الذى لم يحدث من قبل خلال استطلاعات الرأى، عندما كان جو بايدن موجودًا فى السباق، لذلك بدأ الجميع يتساءلون: هل ممكن لكامالا أن تفوز على ترامب فى سباق الرئاسة القادم، وتصبح أول امرأة من أصحاب البشرة السمراء تقود أمريكا لتكون الرئيس الخمسين فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية؟.

وعقدت فى الأيام الماضية المناظرة التى كان ينتظرها الجميع، هذه المناظرة التى كانت شروطها أنه لن يكون هناك جمهور، وسيتم كتم صوت ميكروفونات المرشحين، وانتهت المناظرة التى استمرت ٩٠ دقيقة، واستطاعت كامالا هاريس أن تضع خصمها ترامب فى موقف دفاع موجهة له عبارات شخصية نالت من مظهره الرئاسى لأنه لا يهتم إلا بنفسه وأقرانه من الأثرياء.. أما ترامب فلقد اتهمها بالماركسية، ولم ينظر إليها خلال المناظرة.

وإذا كان هناك ما يمكننى استخلاصه من هذه المناظرة، التى كانت أشبه بتكسير عظام، لكن بلا ضربة قاضية، وإن كان البعض يرى أن الناخب الأمريكى قد يفضل هذه المرة أن تكون الرئاسة فى يد امرأة من أصحاب البشرة السمراء، الأمر الذى يعطى أمريكا دائمًا أمام العالم كله أنها مثال للديمقراطية والتغيير، وبدأت استطلاعات الرأى تضع كامالا فى المقدمة مرة أخرى عن ترامب بثلاث نقاط، ثم جاءت بعدها محاولة اغتيال لترامب لكى يكسب النقاط مرة أخرى.

ثم جاءت أحداث غزة وقيام إسرائيل بهذه الحملة ضد حزب الله وقادتهم من خلال الدخول على أجهزة البيجر للقضاء على أعضاء حزب الله، وهذه الأمور كلها تأتى فى صالح ترامب، حيث من المنتظر أن يستمر القتال فى غزة حتى يوم الانتخابات، وعمومًا يأتى السؤال: هل يمكن أن تفعلها كامالا، وتكون أول رئيسة سيدة من أصحاب البشرة السمراء فى أمريكا، والرئيس الخمسين للولايات المتحدة الأمريكية؟.
نقلا عن المصري اليوم