د. ســامـح فــوزى
يدورنقاش حاليًا حول الاستثمار فى الثقافة من خلال الشراكة بين مؤسسات وزارة الثقافة والقطاع الخاص. الغرض واضح هو الإفادة من المنشآت الثقافية، وتطوير تشغيلها، وزيادة مواردها المالية. لا أجادل فى ذلك من حيث المبدأ، بل على العكس أظن أننا تأخرنا كثيرًا عن المضى فى هذا الاتجاه، الذى تأخذ به العديد من الخبرات الدولية والإقليمية منذ تسعينيات القرن العشرين عندما راجت أفكار من قبيل «الحوكمة» أو «الحكم الرشيد» والشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
أعرف بالطبع أن بعض المثقفين يرفضون الشراكة بين الهيئات الثقافية العامة والقطاع الخاص، انطلاقًا من تصورات أيديولوجية أو تمسكًا بالإدراك الكلاسيكى لمفهوم الخدمة الثقافية العامة، لكن الأجدى فى رأيى هو مناقشة التفاصيل الخاصة بالشراكة بين العام والخاص فى مجال الثقافة، بدلا من الوقوف عند حاجز الرفض المبدئي. ولنأخذ مثالا هو قصور الثقافة، باعتبارها لُب عمل وزارة الثقافة، منذ أن أنشأها الدكتور ثروت عكاشة.
أولا: قبل الحديث عن صور الشراكة بين وزارة الثقافة والقطاع الخاص، ينبغى أن نجرى دراسة تقييمية محايدة ومهنية متخصصة حول الإمكانات المادية والبشرية التى تحويها قصور الثقافة التى تنتشر فى ربوع مصر، وتتفاوت فيما بينها فى القدرات المتاحة. وقد تستدعى الدراسة بحث سبل تطويرها، وتحديث بنيتها، والنهوض بإمكاناتها، بما يتيح الإفادة القصوى منها.
ثانيا: هناك سؤال ينبغى أن نمتلك شجاعة الإجابة عنه: لماذا هناك ضعف فى عمل قصور الثقافة؟ هل ينبع ذلك من غياب الرؤية أم نقص الإمكانات المادية أم عدم توافر القدرات البشرية اللازمة؟ تفتح الإجابة عن هذا السؤال الطريق الصحيح لأى شراكة مستقبلية مع القطاع الخاص، وتحدد مواطن القوة والضعف، وتساعد فى الاختيارات الملائمة، وأكثر من ذلك، تقودنا إلى تطوير قصور الثقافة أو على الأقل وضع خطة لتطويرها. وأظن أن أفضل صيغ الشراكة بين طرفين هى الإفادة المتبادلة من الإمكانات المُتاحة، فالشراكة ليست «خطة إنقاذ»، أو تسليم منشآت عامة ضعيفة الفعالية لتطويرها على يد القطاع الخاص، لكنها فى جوهرها تلاقى فى الأهداف، وتكامل فى الإمكانات.
ثالثا: تقوم الشراكة على أهداف مشتركة، ومن المعروف أن الخدمة الثقافية العامة لها أهدافها، والنشاط الثقافى الخاص له أهداف أخري، يتلاقيان أحيانا، ويفترقان أحيانا، وهذا ليس عيبًا، لأنه من طبائع عمل المؤسسات متباينة الأغراض. هنا ينبغى أن نقف أمام قضية أساسية هى أن قصور الثقافة تحقق العدالة الثقافية بانتشارها الجغرافى الواسع، ومن أهدافها الارتقاء بالوعى الثقافى على المستوى الجماهيري، هل القطاع الخاص لديه نفس الأهداف أم ينشغل بتحقيق الربح بحكم تكوينه الاقتصادي؟ هل تتفق المنشآت الثقافية العامة مع القطاع الخاص فى تعريف مفهوم الثقافة ذاته؟ الإجابة عن هذا السؤال أساسية حتى ندرك فى أى طريق نمضي.
رابعًا: يدرك الجهاز الإدارى الذى يعمل فى المؤسسات الثقافية العامة عمله من منظور معين، وبعض العاملين من المثقفين سواء كانوا شعراء أو أدباء أو فنانين، لكنهم يعملون فى الجهاز الإدارى الثقافي، يختلف ذلك كلية عن إدراك العاملين فى القطاع الخاص للنشاط الذى يقومون به، من حيث حساب التكلفة والعائد، والرغبة فى تحقيق ربح. كيف يمكن بناء شراكة بين العام والخاص فى مجال الثقافة فى ظل تباين إدراك وممارسة الإداريين على الجانبين؟ ينبغى ألا نستهين بذلك، أو نهون من أهميته، لأن هناك تجارب نهضت وأخرى فشلت بسبب ممارسة الجهاز الإداري، وليس نتيجة قصور فى الخطة أو اضطراب فى الأهداف.
خامسًا: الشراكة بين المنشآت الثقافية العامة والقطاع الخاص لها صور متعددة، تتسم بالتدرج، وبناء التجربة المشتركة. تبدأ من رعاية أنشطة بعينها، وتمر بتعاون مشترك فى برامج أو مواسم ثقافية معينة، وتنتهى بإدارة القطاع الخاص لمنشآت ثقافية خلال مدد زمنية محددة. أهم ما ينبغى التوقف أمامه أن الشركات الخاصة متفاوتة فى الاحجام والإمكانات، وبعضها ينتمى إلى مدرسة طلعت حرب،ولها جذور بعيدة فى تحمل المسئولية الاجتماعية، وبعضها الآخر له طابع تجارى بحت. أفضل ما يفيد الثقافة العامة أن تجد رعاية من الرأسمالية الواعية التى تدرك أهمية تطوير المجتمعات التى تعمل بها، وأسوأ ما يضر الثقافة العامة أن تتلقى دعمًا من علامات تجارية تروج بضائع استهلاكية قد تواجه يومًا مساءلة أخلاقية سواء لمنتجاتها أو للقائمين عليها.
يتضح مما سبق أن هناك اعتبارات عديدة تكتنف أى شراكة بين المجالين العام والخاص فى الثقافة، وهو ما يدفعنا إلى العمل على بلورة توجه مشترك أكثر ما يحملنا على التوجس، لأن فى النهاية الفارق بين العام والخاص فى ممارسة النشاط هو نمط الملكية والغايات، وأسلوب الإدارة.
نقلا عن الاهرام