مارجريت عازر
حقوق الإنسان هى أحد الأسس التى تقوم عليها الدول الحديثة وتسعى لتحقيقها كجزء من التزامها الأخلاقى والقانونى تجاه مواطنيها والمجتمع الدولى. فى منطقة الشرق الأوسط، التى تعد من أكثر المناطق تعقيدًا على الصعيدين السياسى والأمنى، لا يمكن تجاهل العلاقة المباشرة بين انتهاكات حقوق الإنسان وتصاعد الحروب والنزاعات.

أحد العوامل الرئيسية التى تؤدى إلى النزاعات فى الدول والمجتمعات هو سيطرة الأنظمة الاستبدادية على الحكم، مما يؤدى إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. هذه الأنظمة غالبًا ما تتجاهل الحريات الأساسية مثل حرية التعبير، التجمع السلمى، وحق المشاركة فى الحياة السياسية. فى غياب أى آليات فعالة للتغيير السياسى، يلجأ الكثير من الشعوب إلى التمرد أو الانتفاضة، مما يؤدى فى كثير من الأحيان إلى نزاعات مسلحة.

فى سوريا، على سبيل المثال، كانت انتهاكات حقوق الإنسان، بما فى ذلك القمع الوحشى للاحتجاجات السلمية فى عام ٢٠١١، من الأسباب الرئيسية التى دفعت البلاد إلى حرب أهلية مستمرة حتى اليوم. كما أدى غياب الحريات السياسية فى دول أخرى مثل ليبيا واليمن إلى انهيار النظام الاجتماعى والسياسى، ما أسفر عن حروب طاحنة.

فى بعض الأحيان، تُستخدم حقوق الإنسان كذريعة للتدخل الأجنبى فى شؤون الدول. القوى الكبرى غالبًا ما تبرر تدخلاتها العسكرية فى المنطقة بحجة حماية حقوق الإنسان أو إعادة الاستقرار. ومع ذلك، هذه التدخلات فى بعض الأحيان تزيد من تفاقم النزاعات وتؤدى إلى انتهاكات جديدة.

فى العراق عام ٢٠٠٣، كان تدخل الولايات المتحدة تحت مبرر إزالة نظام صدام حسين وتحرير الشعب العراقى. ورغم سقوط النظام، شهد العراق موجة من الانتهاكات الحقوقية نتيجة لعدم الاستقرار الذى تلا الغزو. القتل العشوائى، والاعتقالات غير القانونية، والتعذيب فى السجون كانت كلها أمثلة على انتهاكات حقوق الإنسان التى أعقبت التدخل الأجنبى.

الحروب فى الشرق الأوسط لها تأثير مدمر على حقوق الإنسان. النزاعات المسلحة تؤدى إلى موجات هجرة ضخمة، حيث يفر الملايين من العنف والدمار، مما يؤدى إلى أزمات إنسانية ضخمة. الأطفال والنساء هم من بين الفئات الأكثر تضررًا من هذه النزاعات، حيث يعانون من الحرمان من التعليم، الرعاية الصحية، والمأوى الآمن.

كما تُرتكب جرائم حرب عديدة خلال هذه النزاعات، بما فى ذلك القصف العشوائى، التجويع المتعمد للسكان، والاعتداءات الجنسية كأداة حرب. فى اليمن، الحرب بين القوات الحكومية المدعومة من التحالف العربى والحوثيين أدت إلى ما وصفته الأمم المتحدة بأنها «أسوأ أزمة إنسانية فى العالم»، حيث يعانى ملايين الأشخاص من المجاعة والانتهاكات الحقوقية.

رغم كل هذه التحديات، فإن هناك جهودًا دولية لتعزيز حقوق الإنسان فى الشرق الأوسط. المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية، تعمل على توثيق الانتهاكات ودعوة الحكومات والمليشيات إلى احترام حقوق الإنسان.

ومع ذلك، تبقى هذه الجهود فى كثير من الأحيان محدودة بسبب عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لدى الأطراف المعنية فى النزاعات. التوازن بين المصالح السياسية والاستراتيجية وحقوق الإنسان يجعل من الصعب تحقيق تقدم ملموس فى هذا المجال. لكن على المدى الطويل، السلام الحقيقى فى الشرق الأوسط لن يتحقق إلا من خلال احترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية، وإتاحة الفرص للجميع دون تمييز.

فى منطقة تعانى من الحروب والنزاعات مثل الشرق الأوسط، حقوق الإنسان ليست مجرد فكرة نظرية، بل هى عامل حاسم فى تحقيق الاستقرار والسلام. انتهاكات حقوق الإنسان تؤدى إلى إشعال النزاعات، بينما يؤدى تعزيزها إلى بناء مجتمع أكثر استقرارًا وعدلًا. لذا، يجب أن تكون حقوق الإنسان فى صلب أى جهد لحل النزاعات فى المنطقة، سواء كان ذلك من خلال المفاوضات السياسية أو التدخلات الدولية.
نقلا عن المصرى اليوم