د. منى نوال حلمى
يوم ٣ سبتمبر ٢٠٢٤، أقامت المنظمة العالمية لخريجى الأزهر ورشة عمل بعنوان: «احتكار الجماعات المتشددة للسُّنة النبوية»، فى مقرها الرئيسى بالقاهرة.

وقد أوضحت أن هذه الجماعات لا تمثل «الإسلام الصحيح»، ولا «الفهم الصحيح»، للسُّنة النبوية، ودعت إلى ضرورة إعطاء «صورة مشرفة» عن الإسلام.

وتعليقاتى هى كالتالى:

أولًا: هذا الكلام ليس جديدًا.


منذ ما سميت «الصحوة الإسلامية»، فى بلادنا، التى استعادت نشاط التيارات التكفيرية، الإرهابية، الجهادية المسلحة، الخارجة كلها من عباءة الإخوان، ونحن نعانى الإرهاب وبحور الدم، لمدة نصف القرن. اتهمونا كلنا بـ«الكفر» لأننا لا نُقيم شرع الله، وننشر المفاسد، فاستُحلت دماؤنا، وآن أوان استعادة الخلافة الإسلامية.

بعد كل عملية سفك دماء، كان المتحدثون الرسميون باسم الإسلام يدينون الحادث لأن «الإسلام» برىء من هؤلاء، الذين لا يمثلون «الإسلام الصحيح».

ثانيًا: جميع التنظيمات التكفيرية، الجهادية، المسلحة، وعددها بالمئات، وعدد جنودها بالآلاف، أينما وُجدت لها «أسماء إسلامية» على تنويعات مختلفة، وشعارهم على تباينهم: «الله غايتنا.. والرسول قدوتنا.. والقرآن دستورنا.. والجهاد سبيلنا.. والموت فى سبيل الله غايتنا»، والجميع من كل هؤلاء لا يمثلون «الإسلام الصحيح».

ثالثًا: إذا سأل شخص ما عن حكم الإسلام فى أحد الأمور، أو طلب الفتوى الشرعية فى قضية ما، أليست البداية «اختلف العلماء»، أو «اختلف الفقهاء»، والنهاية هى «والله أعلم»؟.

هذا معناه أن الشخص طالب الحكم الإسلامى، أو الفتوى الشرعية، يحق له اختيار حكم واحد، يتناسب مع ظروفه، وشخصيته، وعقله. وكلنا يعرف الحديث النبوى: «استفتِ قلبك، البِر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك فى النفس، وتردد فى الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك». وهذا يؤكد المسؤولية الشخصية للإنسان عن أفعاله. والمسؤولية الشخصية لا معنى لها، إذا كانت أفعال الإنسان مستقاة من عقل غيره من البشر.

رابعًا: إن أكبر طائفتين هما أهل السُّنة والجماعة، والشيعة، ونجد أن فروع أهل السُّنة والجماعة عقائديًّا هى أهل الحديث، والأشاعرة والماتريدية، وفقهيًّا هى الحنابلة والشافعية والمالكية والحنفية والظاهرية.

والشيعة تنقسم إلى الاثنى عشرية واليزيدية والعلوية والإسماعيلية. والاثنا عشرية إما اخبارية أو أصولية. والإسماعيلية إما نزارية، أو من الدروز.

كل واحدة من ألفها حتى يائها «بشرية»، تختلف عن بعضها البعض، وقد تتناقض فى فهم وتفسير النصوص القرآنية، والسُّنة النبوية. وبالتالى فهى لا تلزم إلا أتباعها. وكلها إما تنفى الأخرى، أو تُكفرها، زاعمة أنها «الإسلام الصحيح».

إن الأزهر- الذى تجاوز عمره الألف عام، وبعد تحوله من المذهب الشيعى الإسماعيلى إلى المذهب السُّنى- عكف على نشر وتعليم وتدريس وتفسير الإسلام السنى الأشعرى، الذى يوصف بالاعتدال والوسطية، وهو نفسه قد تم تكفيره من التيارات الجهادية لأنه بالنسبة إليهم لا يمثل «الإسلام الصحيح».

خامسًا: إذا أخذنا على مستوى البلد الواحد، مصر مثالًا، فهل «الإسلام الصحيح» هو إسلام مصر فى الحكم العثمانى، أم إسلام مصر فى عهد الملك فاروق، أم إسلام مصر فى العهد الناصرى، أم إسلام مصر أيام السادات؟.

سادسًا: على مستوى الدول الآن، أين يوجد «الإسلام الصحيح»، فى تونس، التى منعت تعدد الزوجات، وأقرت المساواة فى الإرث، وحق المرأة التونسية المسلمة فى الزواج من غير المسلم، وإباحة تسمية المولود باسم الأم، وإلغاء المهر، وإباحة التبنى، أم فى أفغانستان، والسعودية، والإمارات؟.

وهل نظام «ولاية الفقيه» فى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الشيعية، الاثنى عشرية منذ ١٩٧٩، يمثل «الإسلام الشيعى الصحيح»؟.

وهل تمثل داعش «الإسلام الصحيح»، بإجراءات الإعدام، وقطع الرؤوس، والرق، والقتل الجماعى للمخالفين، وهى تسمى نفسها «الدولة الإسلامية فى العراق والشام»؟.

سابعًا: إن اليهودية والمسيحية تتعدد بهما الانقسامات مثل الإسلام. لكن لا توجد دولة فى العالم تحكم بالنصوص التوراتية. وكذلك المسيحية انسحبت داخل الكنائس فقط. لا أحد يريد تكرار المآسى، الناجمة من وصاية رجال الدين على المجتمع وحياة الشعوب. والانقسامات ليست مقصورة على الديانات الإبراهيمية، بل هى أيضًا فى الديانات الأرضية، مثل الزرادشتية والهندوسية والبوذية والسيخ والكونفوشيوسية، والطاوية والشنتية، والسندية، والمانوية والجانية الدارمية، والبهائية. لكنها لا تحكم القوانين وشؤون المجتمع.

ثامنًا: إن الهند توجد بها أكبر التنوعات الدينية، لذلك كانت حريصة بعد استقلالها عن بريطانيا ١٩٤٧، على أن يكون دستورها علمانيًّا حتى لا تغرق فى بحور الدم. ومع ذلك لم تسلم الهند من الاغتيالات الدينية، بدءًا باغتيال غاندى، زعيم الاستقلال، من هندوسى متعصب، مرورًا باغتيال أنديرا غاندى، أول رئيسة وزراء للهند، ثم اغتيال ابنها راجيف غاندى، على يد السيخ. وتطول القائمة. ولا ننسى اغتيال بناظير على بوتو، أول رئيسة وزراء لبلد مسلم، باكستان، على يد طالبان، بعد فشل القاعدة فى اغتيالها.

تاسعًا: واقعيًّا، لا يوجد إلا التنظيمات الجهادية الإسلامية، وانقساماتها الكثيرة، التى تكفر وتقتل، وتهدد ليس فقط بلادنا، وإنما العالم بأسره، تحقيقًا للخلافة الإسلامية الكوكبية. وشاهدنا مظاهرات المسلمين فى هامبورج بألمانيا، فى إبريل ومايو ٢٠٢٤، والتى نظمتها جماعة «مسلم إنتر أكتيف»، مطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وسط هتافات: «الخلافة هى الحل»، و«ألمانيا تساوى القيم الديكتاتورية».

عاشرًا: نخلص إلى أن الدولة المدنية الحديثة هى الخلاص، والمنقذ الحقيقى الدائم من الدائرة الجهنمية للجدل بين «الصحيح» و«غير الصحيح» فى الأديان. إن حجب الأديان من دخول الفضاء العام، وحياد الدولة تجاه جميع الأديان، وإعلاء كلمة القانون الوضعى العادل، فى جميع قضايا المجتمع، هو جوهر الدولة المدنية. وبالتالى، يصبح الدين خصوصية الإنسان، لا تخرج من بيته، حيث يعبد ربه. هكذا ينتفى التقاتل الطائفى والمذهبى، وكل أنواع الجرائم والتجارة والعنصرية والكراهية، وحيث نكتب النهاية «للحروب المقدسة».

خِتامه شِعر

========

يطاردوننى فى السر والعلن

لأدعم كل أقوالهم

وأشهد الشهادة الزور

هددونى بإحراق جسدى وأوراقى وبيتى

وزرع الألغام فى أرض أزهارى

قالوا سيرقصون فوق بقايا جثتى

وإن نهايتى فى الأرض البور

قلت أنتم واهمون فما أنتم

إلا موتى فى القبور

لن أشهد لتبقوا فوق رقابنا

لن أُطيع أوامركم وأدخل الطابور

الفارق كبير بين شهد النحلة

والسم القاتل فى لدغة الدبور.
نقلا عن المصرى اليوم