د. محمد طه
من أصعب العلاقات وأشدها ألماً وقسوة.. علاقة الأم النرجسية ببنتها..

وبالمناسبة.. الكلام عن النرجسية حاجة.. وعن الرجال النرجسيين حاجة.. أما الكلام عن الأم النرجسية فحاجة تانية خالص..

احنا أمام أم (غير سوية نفسياً) على الإطلاق.. بتتعامل مع ابنتها على انها غريمتها.. عدوتها.. مش بنتها على الإطلاق.. بداية من سنين طفولتها الأولى.. لغاية.. بلا نهاية..

قسوة شديدة فى المعاملة.. أحياناً ضرب وتعنيف.. سخرية واستهزاء وإهانة.. تقليل وتحقير من كل حاجة تعملها البنت.. رسالة واحدة بتوصّلها لبنتها بكل شكل وكل طريقة: انتى قليلة.. انتى ماتستاهليش..

 أم كل همها السيطرة والتسلط على أبناءها.. بتعمل ده مع الأولاد بطريقة.. ومع البنات بطريقة تانية.. الأولاد تغريهم وتغويهم بالقرب الواصل لدرجة الابتلاع.. والبنات تتحكم فيهم وتضيق عليهم وتخنق أنفاسهم.. مش بس كده.. هى تدى سلطة للأخ على أخته.. وتعلمه ازاى يحتقرها ويسئ معاملتها.. وتشجعه وتكافؤه على ده..

هى كمان بتتعمد الوقيعة والفتنة بين أبناءها.. تفرق بينهم فى المعاملة.. تفضّل حد على حد.. حد يبقى على الحجر.. وحد تدوس عليها برجليها ليل نهار..

الأم النرجسية -ولأنها مضطربة نفسياً جداً- بتغير من بنتها.. ماتحبش ان بنتها تنجح.. وتنزعج انزعاج شديد لو شافت بنتها بتفرح.. وتصيبها حالة من الاستفزاز غير المفهوم لو بنتها حست بنفسها وبجمالها وبأنوثتها..

تذم فى بنتها قدام الناس.. تشكى بنتها لكل من هب ودب.. تحرجها وتُصغّر منها ومن صورتها على الملأ.. الخاص والعام..

بنتها تمثل بالنسبة لها تهديد.. مش عاوزة بنتها تبقى أحسن منها بأى شكل.. لو البنت اهتمت بنفسها.. تتريق عليها وتسخر منها.. لو البنت نجحت وبدأت تحس بنجاحها وقدرها.. تُفقد نجاحها قيمته ومعناه.. لو البنت لبست حلو ووقفت قدام المراية.. تبقى فاجر وعاوزة تعمل حاجة غلط.. تشك فيها.. وتشككك فيها.. وأحياناً تتعمد تشويه سمعتها.. أيوه.. بالظبط..

أم لا ترضى عن بنتها مهما حاولت بنتها ترضيها.. دايماً فيه حاجة ناقصة.. دايماً اتهامات بالتقصير والفشل والضعف..

لازم أوامرها تتنفذ.. فى كل شئ.. من أول اللبس والأكل والشرب.. لغاية اختيارات الدراسة والزواج والخلفة والشغل.. وإلا.. كمية هائلة من الغضب والتهديد والابتزاز.. لا يوجد طريقة لتجنبهم غير الانصياع والقهر وتنفيذ الشروط..

أما بخصوص الحدود.. فحدث ولا حرج.. هى لا تطيق ان يكون لبنتها أى حدود أو خصوصية.. هى تتوغل وتتغول فى حياة بنتها حرفياً.. باب الأوضة مايتقفلش.. تراقبها وتراقب تصرفاتها بميكروسكوب.. بتعملى ايه.. بتكلمى مين.. روحتى فين.. صرفتى كام.. بشكل ملح ومستفز ومتجاوز للمعقول.. تتصل بيها كل شوية وسط اصحابها.. تكلمها فى نص الليل فى بيت جوزها.. تكلم اخواتها أو أولادها علشان تسألهم هى فين، وليه لما رنيت عليها اتأخرت دقيقتين فى الرد.

أم لا تعرف التعاطف.. على الإطلاق..
بتستخدم طريقتين صعبتين جداً للسيطرة على بنتها: التخويف.. والاحساس بالذنب.. بتلف حوالين البنت حبل سميك من الخوف.. وبتحقنها بشكل يومي بجرعات سامة من الإحساس بالذنب..

تخوفها من كل الناس.. من أصحابها.. من اخواتها.. من الجيران.. من الشارع.. من المستقبل.. من الحياة.. مالكيش غيرى..

وتلعب على وتر الاحساس بالذنب بشكل كله ابتزاز عاطفى.. دا أنا أمك.. بر الوالدين.. هاغضب عليكى.. انتى السبب فى كذا وكذا.. انا ضيعت عمرى وحياتى علشانك.. لازم ترضينى.. وهى كما قلنا- لا ترضى أبداً..

حب الامتلاك ممكن يوصل بيها انها تمنع بنتها من الجواز.. أو تبوظ خطوبتها.. أو تفشل جوازها.. بطرق كتير جداً..

هى كمان للأسف بتبوظ علاقتة البنت بأبوها نفسه.. واللى بيكون -برضه للأسف- استسلم من زمان.. أو كبر دماغه.. وسابها تعيث فى أولادهم فساداً..
أصعب ما فى حكاية الأم النرجسية.. هى علاقتها بابنتها.. اللى بتتعرض لكم رهيب من الضغط والقهر والابتزاز العاطفى من ناحية.. واللى بيربطها بأمها فى أغلب الأحيان علاقة معقدة جداً من التعلق، والرغبة العقيمة فى التحرر، والخوف، والاحساس بالذنب من ناحية أخرى..

ليه أنا كاتب الكلام ده؟
علشان يتم شيطنة نوع من الأمهات وتصويرهم على إنهم وحوش بشرية منزوعة الرحمة؟
لأ.. خالص.. دول أمهات من جواهم فى منتهى الغلب.. وهما نفسهم اتعرضوا فى طفولتهم لأشكال صعبة جداً من الإساءة والحرمان الشديد اللى خلا شخصياتهم بهذا التشويه، اللى محتاج علاج نفسي عميق ومكثف (لو قرروا البدء فيه)..

طيب.. علشان تعيش بنات وأبناء هذه الأم حالة من استعذاب الألم واستثمار دور الضحية، ويتمادوا فى الشكوى دون تحمل مسئولية التغيير الشخصى رغم الألم؟

لأ طبعاً.. ده غير مفيد ولا مطلوب ولا بيجيب أى نتيجة..
الكلام ده مكتوب علشان ثلاث حاجات..
الحاجة الأولى.. إنه لسبب أنا مش فاهمه ولا عارفه.. الشكوى من هذا النوع من الأمهات زايدة جداً فى الوقت الحالى..  

الحاجة التانية هى الونس.. يعنى كل اللى تعرضت أو تعرض للاساءة ولسوء المعاملة وللابتزاز العاطفى من إحدى هذه الأمهات، تعرف، ويعرف انهم مش وحدهم.. وان فيه كتير زيهم، قرروا بشجاعة انهم يشتغلوا على نفسهم، ويتغيروا للأحسن، ويخوضوا طريق الوعي والنضج والنور، ويقاوموا جيناتهم وظروفهم والضغوط المستمرة حواليهم، ومايبقوش نسخة من اللى حاولت تشويههم، رغم ان ده كان الطريق الأسهل..   

الحاجة الثالثة.. وبسبب الاحساس بالذنب اللى بيتزرع زرعاً داخل بنات وأبناء الأم النرجسية، ونتيجة تلاعب هذه الأم بكارت (بر الوالدين)- رغم أنها لم تبر أبناءها وبناتها، والتصريح والتلويح والتهديد بغضب ربنا لو هى غضبت، وبعذابه وانتقامه لو كلامها ماتسمعش- رغم أنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، ومافيش معصية تضاهى السماح بتشويه الأبناء وظلمهم وقهرهم ودفن نفوسهم الحقيقة بالحياة.. فبتلجأ بعض بنات (وأبناء) الأم النرجسية لسؤال بعض من يفترض معرفتهم بالدين، فى محاولة أخيرة للنجاة والتحرر من هذا الإحساس اللعين.. لكن اللى بيحصل كتير -وبكل أسف- هو إن الإجابة بتزود إحساس البنت أو الابن بالذنب، واللخبطة، والحيرة، وبتدفعهم لكره أنفسهم.. ولكره الدين نفسه أحياناً.. أنا سمعت وشوفت إجابات على أسئلة زى "هل لازم أطيع أمى لو كانت نرجسية بتشخيص الطبيب؟" و "هل بر الوالدين يسمح لأمى إنها تختار لى دراستى وشغلى وعريسى حتى لو أنا مش موافقة؟" و "أمى مش بتبطل إهانة وتقليل وتحقير منى.. وبتهددنى طول الوقت بزعلها وغضبها عليا، أعمل إيه؟".. وتكون الإجابة من قبيل: "ماتتكلميش عن أمك بالطريقة دى".. "انتى ملك لأمك وأبيك".. "على الأبناء موافقة الآباء والأمهات وليس الاعتراض عليهما".. الردود دى أحياناً بتؤدى للكفر.. آه والله.. الكفر نفسه..

أخيراً.. نعمل إيه يا دكتور؟
هأقولك وباختصار شديد.. بس نتفق الأول اننا مانحطش يافطة (أم نرجسية) عمال على بطال على أى أم بتنصح أولادها أو بتخاف عليهم (بطريقة صحية).. ده تشخيص طبي مهم نراجع فيه مختص قبل ما نعمل أى حاجة.. وأهل الذكر فيما يخص التشخيصات الطبية النفسية هم الأطباء النفسيين.

رقم واحد.. الحدود.. مهم جداً وضع حدود واضحة وغير قابلة للمساومة مهما حصل.. ماينفعش التدخل فى تفاصيل حياتى.. السيطرة والتحكم مرفوضين تماماً.. أنا ليا اختياراتى وقراراتى وأنا مسئولة/مسئول عنها..  مهم جداً وجود مسافة صحية تحمي من التوغل فى كل وأى شئ.. والمسافة دى ممكن تزيد وتصل إلى أقصاها لو استدعى الأمر..

رقم اتنين.. لا تحاول إرضاء من لا يرضى.. هاتحرق نفسَك.. هاتفنى نفسِك.. دايماً هاتكون مقصر.. دايماً هاتكونى غلطانة ووحشة وفاشلة.. مهما عملتوا.. مافيش فايدة..

ورقم تلاتة.. التعامل بعقلانية شديدة، مش بعاطفة على الإطلاق.. علشان نقفل كل أبواب الابتزاز العاطفى، ونحرق كروت التهديد والتخويف والإشعار بالذنب.. المفيد واللى ليه هدف حقيقي ووظيفة فى حياتى أعمله.. اللى مش مفيد ومالهوش أى هدف حقيقي ماعملهوش..

ممكن نلجأ للعلاج النفسي.. لو حسينا اننا محتاجين نتعافى من آثار هذه العلاقة الصعبة اللى ممكن تؤثر على تركيبة شخصيتنا وسلوكنا لفترة طويلة..
وننصحها هى كمان بالعلاج.. استجابت.. خير وبركة.. لم تستجب.. يبقى عملت اللى عليا..

نعمل كل ده بهدوء.. وبمنتهى الأدب.. وبكل الرحمة.. بدون أى نهر أو التعنيف أو التطاول..

علشان هى فى الأول وفى الآخر (أم)..
وعلشان (صاحبهما فى الدنيا معروفاً)..
كل حد فينا فيه فى حياته رحلة.. هايمشيها هايمشيها..

رحلة التعامل مع، والتعافى من (أم نرجسية).. من أصعب وأقسى الرحلات اللى ممكن يمشيها بشر..
لكن اللى بيقدر يعديها.. واللى بتقدر تتجاوزها.. بيكونوا فعلاً أبطال..
وبيوصلوا أحياناً للى محدش غيرهم بيقدر يوصل له..
د. محمد طه