عادل نعمان
(ليس لهذا المقال علاقة بالقبض على صلاح الدين التيجانى «الطريقة التيجانية» أو رقص الطريقة الكركرية، الأمر صدفة مقصودة) والخناقة منصوبة بينهما لاتهدأ ولا تخمد نارها، وأغلب السلفية يتهمون أهل التصوف بالمبتدعة، وأهل شرك وإفك وضلال، أصحاب خرافات وخزعبلات، يعتمدون على أحاديث ضعيفة «قبوريون» يصلون ويتشفعون بأهل القبور ويستغيثون بهم فى قضاء الحاجة وتفريج الكروب، يزعمون أنهم أهل الحقيقة والوصول، يعتقدون بالاتحاد والفناء فى الذات الإلهية وهو شرك عظيم فالله واحد صمد لا شريك له ولااتحاد مع غيره، وهذا ما أفتى به ابن باز «الصوفيون كفار مشركون وثنيون مثل كفار قريش، وأشباههم لا يصلى عليهم، ولا يصلى خلفهم، وحكمهم حكم أهل الشرك، لأنهم يشركون مع الله إلها آخر، ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولاينفعهم» ولايخفى علينا أن السلفية ترى الصوفية فريقا من فرق الشيعة.
وأغلب الصوفية يتهمون السلفية: يؤمنون بظاهر النص دون الجوهر، ويحدون من سلطة العقل وهو أساس التكليف، وجروا الدين إلى مستنقع السياسة فغيروا وبدلوا وأولوا على مزاجهم وأغراضهم، هم أعداء الكل شيعة وأشاعرة ومعتزلة وصوفية، يكفرون معظم الفرق والجماعات ويعتبرون أنفسهم الفرقة الناجية فكان التطرف والإرهاب مسلكهم، وما لدواعش وطالبان والإرهابيين إلا نتاج هذا المنهج السلفى.
والتسمية ليست محددة المصدر من قال: أصلها يونانى من «سوفيا» أى الحكمة، ومن قال: من التصوف لأنهم يلبسون اللباس الخشن من الصوف زهدا وتبتلا !! ومن قال: من الصفوة أى النخبة الأخيار، ومن قال: من الصفاء لأنهم قوم يعتنون بصفاء ونقاء القلوب، ومن قال: أصلها «صافى» وصوفى إليه أى بادله المحبة، ومنهم من نسبها إلى أول من تصوف وزهد «أبوهاشم الصوفى» وسمى أتباعه بالصوفية، ويرى هؤلاء المتصوفة أن التصوف والزهد تهذيب وتزكية للروح، وتطهير للقلب وإفراده لله، ومجاهدة النفس للحد من الشهوات والرغبات، وتصفية الأخلاق وكثرة الذكر لله، ومن المتصوفة من قال إن تعريف التصوف بعدد المتصوفة، فالتصوف ذوق، ومن ذاق عرف، وتعريف كل متصوف مرهون بما ذاق وما بلغ وما عرف.
ولهم فى هذا الشأن لغة خاصة تتخطى المألوف، ولها تراكيبها العجيبة، بل وتتجاوز كما يبدو المعلوم من أدب التعامل والتخاطب مع الله، صعبة الفهم على العوام والخواص عداهم، مفتوحة على الغمز واللمز، غامضة وغير مباشرة ولها توظيف خاص لا نعلمه ولا نستوعبه، وهذه إحدى مشاكل المتصوفة كما قال ابن خلدون «إن النقد الذى واجه المتصوفين سببه الألفاظ وليس الأذكار، فقد استحدث المتصوفة لغة مجازية خاصة بهم للدلالة على معان خفية، وأغلب الظن أن ما دفعهم إلى هذا هو انقطاعهم عن مجتمعاتهم وعزلتهم التى فرضوها على أنفسهم» وفى هذا الشأن فإن نشأة الصوفية صاحبت ولازمت «البكائيين» الذين افترشوا الصحراء يبكون الحسين بن على، فزهدوا الدنيا واعتزلوا الناس، وربما تهمة التشيع كانت من هنا.
والبعض يقول إن التصوف كان منبته بلاد المغرب والأندلس وقد كانت هجرته إلى بلاد الشرق عن طريقين أولهما أحمد بن على بن إبراهيم الحسينى «أحمد البدوى» «ولد فى المغرب وجاء إلى مصر» صاحب الطريقة الأحمدية ومات ودفن فى طنطا، والثانية شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسن بن على الخزرجى الأنصارى ولد فى المرسية فى الأندلس، وسمى لهذا «المرسى أبوالعباس»، وجاء إلى مصر رفقة شيخه الحسن الشاذلى وكان تلميذه وتربى على يديه ومات ودفن فى الإسكندرية «الطريقة الشاذلية».
إلا أن الصورة الناصعة للصوفية أو السلفية لم تعد ناصعة البياض، فلا الصوفية ظلت على حدود الوصول إلى اليقين بالقلب والارتقاء بالروح لمعرفة الحقيقة بعيدا عن الحقائق الشرعية، بل بلغت بمسلكها هذا مسالك المشعوذين، ولا السلفية قد أبقت على النص «النقل» دون تحريف أو تأويل وبلغت بمسلكها هذا مسالك المتربصين للحكم، فلم يسكن نموذج الحسن البصرى فى نفوس أهل التصوف حين رفض أن يكون مستشارًا لعمر بن عبد العزيز، أو يعاونه فى القضاء زهدا وعفافا، وقال قولته المشهورة «فأما أبناء الدنيا فلا تريدهم، وأما أبناء الآخرة فلايردّونك، فاستعن بالله»، وذهبوا بالتصوف إلى الخرافات والخزعبلات والخوارق وتشتتوا شيعا، وإن كانت لا تميل إلى الحكم كالسلفية إلا أنها أصبحت إحدى أدوات السياسيين فحافظت على وجودها رغم غرابة الوسيلة والمسلك، ولا السلفية قد حافظت على منهج قائدها أحمد بن حنبل حين وقف فى وجه الخليفة معارضا فكرة خلق القرآن ويرفض تولى القضاء، ويحبس فى سجن الخلافة، ويجر مكبل اليدين إلى قصر الخليفة فى بغداد ولا يتزحزح عن رأيه، ويموت الخليفة ويخرج من السجن إلى الحرية، نسى السلفية هذا وباعوها برمتها إلى السياسة ورجال الحكم، حتى صاروا أدواتها فى الشرق ومخابرات الغرب، وكانا صادقين تماما فيما اتهم كل منهما الآخر، وآه لو تركنا الفرق والطرق والمذاهب الإسلامية يوما بلا رقيب أو حسيب لخرجنا بنصفهم أحياء، «الحلاج نموذج العدد القادم» الدولة المدنية هى الحل.
نقلا عن المصرى اليوم