محرر الأقباط متحدون
في مستهل زيارته الرسولية إلى لوكسمبورغ وبعد مراسم الاستقبال الرسمي التي جرت على أرض المطار توجه البابا فرنسيس صباح اليوم الخميس إلى مقر الدوق الأكبر، حيث قام الحبر الأعظم بزيارة المجاملة المعتادة لرئيس الدولة قبل أن يعقد لقاء مع رئيس الوزراء لوك فريدين. من هناك انتقل البابا إلى المبنى التاريخي في وسط المدينة المعروف باسم "سيركل سيتيه" حيث كان له لقاء مع ممثلين عن السلطات المدنية والسلك الدبلوماسي والمجتمع المدني.
وجه البابا للحاضرين خطاباً قال فيه إن لوكسمبورغ وبفضل موقعها الجغرافي المميز وجدت نفسها على مفترق طرقِ أهم الأحداث التاريخية الأوروبية، كما تعرضت في النصف الأول من القرن الماضي، للغزو مرتَين وحُرمت من الحرية والاستقلال. وقد استخلصت العبر من تاريخها هذا، كما تميزت بالتزامها في بناء أوروبا موحدة ومتضامنة، حيث كل دولة تلعب دورها الخاص، صغيرة كانت أم كبيرة، متخطية الانقسامات والصراعات والحروب الناجمة عن النزعات القومية والأيديولوجيات.
هذا ثم أكد الحبر الأعظم أنه عندما يسود منطق الصراع والمواجهات العنيفة، تصبح الأماكن الواقعة على الحدود بين القوى المتقاتلة مورطة في الصراع. بينما، وعندما تهدأ الأوضاع تتمكن من إيجاد طرق الحكمة، فيُستبدل العنف بالتعاون، وتصبح هذه الأماكن ملائمة لفتح الطريق أمام احتياجات مرحلة جديدة من السلام وتدل إلى الطرق الواجب اتباعها.
توقف البابا بعدها عند البنية الديمقراطية المتينة للبلاد، المبنية على كرامة الإنسان والدفاع عن حرياته الأساسية، ما يشكل ركيزة لهذا الدور الهام في القارة الأوروبية. ولفت فرنسيس في هذا السياق إلى أن مساحة بلد ما أو عدد سكانه ليسا الشرط الضروري لكي يلعب دورا هاما على المستوى الدولي أو ليصبح مركزا حيويا على الصعيد الاقتصادي أو المالي. وقال: إن الشرط الضروري هو البناء الصبور للمؤسسات والتشريعات الحكيمة، التي تنظم حياة المواطنين وفقا لمعايير المساواة واحترام سيادة القانون، والتي تضع الإنسان والصالح العام في المحور، وتتفادى مخاطر التمييز والإقصاء وتتصدى لها.
لم تخلُ كلمة الحبر الأعظم من الإشارة إلى ما قاله البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عندما زار لوكسمبورغ عام ١٩٨٥ وشدد على ضرورة أن يبقى البلد أمينا لدعوته بأن يكون – في هذا المفترق المهم للحضارات – مكانا للتبادل والتعاون المكثف بين عدد متزايد من البلدان. وأضاف البابا فرنسيس أنه يجدد نداءه من أجل إقامة علاقات تضامن بين الشعوب، ليتمكن الجميع من أن يصبحوا مشاركين وعاملين في مشروع منظم لتنمية متكاملة.
بعدها أشار البابا إلى التعليم الاجتماعي للكنيسة الكاثوليكية الذي يتحدث عن هذه الميزات لافتا إلى أنه أضاف إليه موضوعين بالغَي الأهمية، ألا وهما الاهتمام بالخليقة والأخوة. وقال: لكي تكون التنمية حقيقية ومتكاملة، يجب ألا تدمر بيتنا المشترك، وينبغي ألا تُترك على الهامش بعض الشعوب أو بعض الفئات المجتمعية. وطالب فرنسيس بعدم إهمال الدول الفقيرة وبمساعدتها على التعافي من ظروف الفقر التي تعيشها، مؤكدا أن هذا الأمر يؤدي إلى تراجع عدد الأشخاص الذين يضطرون إلى الهجرة، في ظروف غير إنسانية، معرضين حياتهم للخطر.
تابع البابا كلمته متوقفاً عند ظهور الانقسامات والعداوات مجدداً، حتى في القارة الأوروبية، والتي تؤدي إلى أعمال عدائية مفتوحة ما يولد الدمار والموت. وشدد في هذا السياق على ضرورة أن نرفع أنظارنا إلى السماء، وأن تنتعش الحياة اليومية للشعوب والحكام بالقيم الروحية العميقة السامية، التي تمنع جنون العقل وتحول دون العودة إلى ارتكاب أخطاء الماضي.
هذا ثم ذكر البابا بأن إنجيل المسيح وحده قادر على تغيير النفس البشرية بشكل عميق، وعلى جعلها قادرة على صنع الخير حتى في أصعب الظروف، وعلى إطفاء الكراهية وتحقيق المصالحة. وأضاف أن لوكسمبورغ يمكن أن تُظهر للجميع فوائد السلام ومزايا إدماج المهاجرين وفوائد التعاون بين الأمم، معتبرا أن ثمة حاجة ملحة اليوم لكي يجري ذوو السلطة مفاوضات صادقة من أجل حل النزاعات، لا تعرض أحدا للخطر، بل تبني الأمن والسلام للجميع. في ختام كلمته توقف البابا عند شعار زيارته ألا وهو "للخدمة" والذي يشير إلى رسالة الكنيسة، التي أرسلها الرب إلى العالم كما أرسله الآب. وشدد على أن الخدمة هي أسمى لقب شرف يُعطى للإنسان، وهي أسلوب لا بد من اتباعه كل يوم.