إعداد/ماجد كامل
مع ذكرى وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في يوم 28 سبتمبر 1970 ، سوف نعرض في هذه المقالة لبعض ذكريات الليلة الأخيرة في حياة الرئيس من خلال القراءة في كتابين : الكتاب الأول هو كتاب" مذكرات طبيب عبد الناصر" للدكتور الصاوي حبيب ؛أما الكتاب الثاني فهو "اعترافات جيهان السادات ؛ سيدة من مصر " . والمعروف تاريخيا أن الدكتور الصاوي حبيب هو الطبيب الخاص للرئيس الراحل جمال عبد الناصر ؛ وفي الكتاب المذكور وفي فصل بعنوان "يوم ليس له آخر " يقول فيه الدكتور الصاوي أنه كان علي موعد مع الرئيس عبد الناصر في الساعة الحادية عشر من صباح يوم 28 سبتمبر ؛ وكانت قد أنتهت وقائع مؤتمر القمة العربية ولم يبق إلا توديع أمير الكويت في المطار الساعة الثالثة بعد الظهر . وعندما فحص الرئيس لم يلاحظ شيئا غير عاديا ولكنه ذكر أنه سيحصل علي فترة راحة بضعة أيام عقب توديع أمير الكويت . وفي الساعة الرابعة والنصف وصلته رسالة تليفونية من سكرتيره الخاص المرافق له في المطار بأن الرئيس يطلب منه التوجه إلي منزله في منشية البكري لمقابلته هناك لأمر هام . فوصل إلي هناك بعد حوالي ثلث ساعة وقابلته السيدة حرمه خارج حجرة النوم ؛وأخبرته أنه عاد من المطار عقب توديعه لأمير الكويت وهو يشعر بالتعب والأرهاق ؛فأحضرت له كوب من عصير البرتقال ؛ فتوجه الدكتور الصاوي إلي حجرة نومه فوجده مستلقيا علي سريره مرتديا بيجامته ؛فأخبره أنه شعر بتعب شديد أثناء توديع أمير الكويت ؛وشعر بأن قدميه لا تقوي علي حمله .
وعندما كشف عليه الدكتور الصاوي لاحظ وجود عرق بارد شديد علي جبهته كما كان وجهه شاحبا بعض الشيء ؛وكان االنبض لا يكاد يكون محسوسا ؛كما كان ضغط دمه شديد الانخفاض وكانت أطرافه باردة ؛ فشعر الدكتور الصاوي بحرج الموقف فتوجه فورا إلي السكرتارية وطلب سرعة استدعاء الدكتور منصور فايز والدكتور زكي الرملي ؛ ثم أحضر جهاز رسم القلب وكان موجودا بصفة دائمة في حجرة المكتب حيث كان معتادا عمل رسم قلب له بصفة يومية عقب أصابته بجلطة سابقة في سبتمبر 1969 ؛ثم حضر الدكتور منصور فايز والدكتور زكي الرملي الذين أكدا خطورة الحالة نتيجة وجود انسداد جديد في الشريان التاجي ؛ وأستمر العلاج فترة من الوقت ولكن لم يكن هناك تغيير في نتيجة رسم القلب ؛ وفجأة أعتدل الرئيس وقام بفتح الراديو الموجود علي الكومودينو بجوار السرير وقال أنه يرغب في سماع خبر معين في نشرة أخبار الساعة الخامسة ؛ولم يذكر هذا الخبر ولم يعرفه أحد حتي الآن ؛ وظل يصغي إلي نشرة الأخبار حتي أنتهت ؛ فطلب منه الدكتور الصاوي ألا يتحرك وأن يستريح فرد عليه الرئيس قائلا "أنا أستريحت ياصاوي " ثم فوجيء برأسه يميل قليلا إلي الجانب فتحسس الدكتور الصاوي النبض فوجده قد توقف فقام في الحال بعمل تنفس صناعي وتدليك خارجي للقلب في وجود الدكتور زكي الرملي والدكتور منصور فايز ؛وأستمرت هذه المحاولات حوالي ثلث ساعة دون جدوي ... ففي الحال شعر الدكتور الصاوي بالحرج وأنه لا فائدة من الاستمرار في التدليك والتنفس الصناعي ؛فلقد توفي الرئيس بالصدمة القلبية نتيجة مضاعفات انسداد الشريان التاجي . فخرج الدكتور الصاوي من الحجرة وعلي السلم الداخل في المنزل قال لكل من وجده في الخارج من أهل المنزل "خلاص مفيش فايدة "
ثم جاء من يستدعيه للذهاب إلي السيدة حرم الرئيس لشعورها ببعض التعب فتوجه إلي حجرتها ووجدها في حالة حزن شديد تعاني من نوبة سرعة ضربات القلب التي كانت تنتابها بين الحين والآخر ؛فأعطاها العلاج اللازم إلي أن أنتهت النوبة وأستقر الوضع .... وفي الخارج عرض الدكتور منصور فايز التقرير الطبي لوفاة الرئيس جمال عبد الناصر في الجلسة المشتركة بين اللجنة العليا للاتحاد الاشتراكي ومجلس الوزراء التي عقدت بعد الوفاة وسلم التقرير وشهادة الوفاة للمسئولين . وعندما خرج الدكتور الصاوي من حجرة نوم حرم السيد الرئيس كان الهدوء يخيم علي المكان ؛ فلقد انصرف الجميع من المنزل بمنشية البكري وكانوا قد نقلوا الجثمان إلي القصر الجمهوري بكوبري القبة .
وفي يوم الجنازة "الخميس 1 اكتوبر 1970 " كان الدكتور الصاوي علي مقربة من السيدة حرم الرئيس التي أصابتها سرعة ضربات القلب أكثر من مرة . فكان يسرع بإعطائها العلاج اللازم وسط أجواء من الحزن والنحيب والبكاء لا ينقطع .
ويذكر الدكتور الصاوي في كتابه أن الرئيس عبد الناصر كان يخضع لفريق كامل من الاطباء يشرف عليه ويتابعه بصفة دائمة نذكر منهم الدكتور احمد ثروت وكان هو رئيس القسم الطبي برئاسة الجمهورية . والدكتور منصور فايز أستاذ الأمراض الباطنة في جامعة القاهرة . والدكتور علي البدري وهو زميل الدكتور منصور فايز في جامعة القاهرة ؛ وكان من اكبر خبراء السكر خلال فترة الستينات .والدكتور محمود صلاح الدين وكان وزيرا للصحة قبل قيام ثورة يولية 1952 وكان أستاذا للأمراض الباطنة والقلب في جامعة الإسكندرية . والدكتور زكي الرملي أستاذ أمراض القلب في جامعة القاهرة .والدكتور ناصح أمين أستاذ ورئيس ئيس قسم التحاليل الطبية في جامعة القاهرة خلال فترة الستينات . والدكتور كمال الدين محمود وكان يعمل طبيب أسنان في القوات المسلحة وأنتدب لرئاسة الجمهورية عام 1957 . والدكتور علي المفتي أستاذ أمراض الانف والأذن والحنجرة في جامعة عين شمس ثم عميدا للكلية . والدكتور محمد الظواهري أستاذ الأمراض الجلدية بجامعة القاهرة .
أما السيدة جيهان السادات فلقد قالت في اعترافاتها (في يوم ختام المؤتمر أستيقظت في الصباح وهرعت إلي حجرة أنور السادات وقلت له "أنني شاهدت حلما سيئا للغاية " فسألني "ما هو ياجيهان ؟ " فقلت شيء سيحدث لعبد الناصر . قال أنور "لقد كنت معه بالأمس وكان بخير ؛وان كان يشعر ببعض الارهاق قليلا " فقلت لأنور "أن شيئا ما سيحدث لقد رأيت في حلمي أنني أقف في شرفة منزل أسرتي في الروضة بعد غروب الشمس ورأيت الناس بينهم الرئيس السوداني جعفر نميري يبكي ثم الرئيس القذافي وكل حاشيته يبكون " سألني أنور "عما كان يبكون ؟ " قلت كان القذافي يقول "غير معقول .... ماذا حدث لعبد الناصر ؟ " ورن جرس التليفون ... وكان المتحدث هو الرئيس عبد الناصر ؛كنت أريد أن أقول له "حمد الله " ولكني أمسكت عنها وقال لي عبد الناصر "جيهان أنني أريد أن أحضر لتناول العشاء مع أنور الليلة "فقلت له "علي الرحب والسعة " . وذهبت إلي الطباخ وطلبت منه أعداد عشاء خفيف للرئيس عبد الناصر ؛وبعد أن تناولت الغذاء ذهبت للاطمئنان بنفسي علي ترتيبات المائدة . وفي السادسة مساء رن جرس التليفون وقال المتحدث "هل تتفضلين بإبلاغ السادات بأن يحضر لمقر أقامة الرئيس "وعندما أبلغت أنور قال "ربما كان قد غير رأيه حول العشاء معنا " أن من الأفضل له أن يستريح في منزله بعد هذا اليوم الصعب . وبعد ساعة جاءت الرسالة ولكنها مختلفة تماما ؛لقد طلب مني الذهاب إلي بيت عبد الناصر .وعندما وصلت إلي هناك وجدت وزير الداخلية جالسا علي السلالم ورأسه بين يديه ... سألته "ماذا هناك ؟" فلم يرد .. ودخلت إلي حديقة المنزل فرأيت أحد مساعدي عبد الناصر فسألته "هل حدث شيء للرئيس ؟" أين مدام عبد الناصر ؟ فقال لي بصعوبة "أنها في حجرة نومها لقد أعطاها الطبيب مهدئا "صعدت السلالم تجاه حجرتها فوجدت أبنها الاكبر خالد فسألته "هل لي أن أري والدتك ؟" فقال "لا أعتقد ذلك لقد جعلوها تنام " . ولم يخبرني أحد بما حدث شعرت أني لا أستطيع أتخاذ اي قرار كنت أرتدي فستانا أزرق اللون .وشعرت بأن هناك شيئا سيئا ولكن لا أدري ما هو؟ ولكن لا بد من العودة إلي المنزل لأبدل ملابسي . هل تكون مدام عبد اناصر هي التي ماتت ؟ لا يمكن أنها تحت تأثير مخدر ..... وقد رأيت خالد . أذن هل يكون عبد الناصر؟ ولكن هذا لا يمكن أن يكون ..... كيف يمكن أن نعيش بدون عبد الناصر ؛وشعرت بخوف كما لو يكن هناك زعيم آخر غير ناصر في مصر كلها .
وفي المنزل أدرت جهاز التلفزيون فلم يكن هناك أي شيء .... في الراديو لم يكن هناك أي شيء .... رن جرس التليفون كانت المتحدثة زوجة أحد الأعضاء بمجلس الأمة فسألتني "هل حدث شيء لعبد الناصر ؟" فقلت لها "لا اعرف" وفجاة بكيت وبكت هي الأخري وهي تقول أن هناك شائعة تسري في مصر كلها تقول أن عبد الناصر قد مات . وفي السابعة مساء بدأ االتليفزيون يذيع القرآن الكريم . وفي الساعة الثامنة ظهر أنور علي التلفزيون وكان الحزن علي وجهه أكبر من كل دموع وكل بكاء وهو يعلن وفاة عبد الناصر .... وكان اليوم هو 28 سبتمبر 1970 .
وفي يوم أول أكتوبر أمتلأت شوارع القاهرة بما يقرب من خمسة ملايين من أبناء الشعب المصري الذين فجعتهم المصيبة . جاء كل هؤلاء لكي يودعوا ناصر قبل مواراته التراب .... وكانت أكبر جنازة في تاريخ العالم ... .. وشعرت الحلم يتحقق فها هو الرئيس جعفر نميري ينزل من الطائرة والدموع في عينيه . وها هو القذافي مع حاشيته يقول " لا يمكن أن أصدق ") (اعترافات جيهات السادات ؛ سيدة من مصر ؛ الدار المصرية للنشر والتوزيع ؛الطبعة السادسة 1993 ؛ الصفحات من "76 -78 ")