أحمد الخميسي
أريد هنا أن أقاسمك ذهولي، وربما تكون سذاجتي، وبداية أقول لك إن علاقتي بتكنولوجيا الاتصالات قاصرة على المعرفة الضرورية للتعامل مع وسائل الاتصال لا أكثر، ومثل الكثيرين كنت أسمع عن الذكاء الاصطناعي حتى التقيت بصديق ففتحه لي وقال لي:" سجل له ما تشاء" فكتبت:" تلزمني قصيدة عن شوق رجل لامرأة يحبها"، وخلال ثوان صعقتني النتيجة بالدهشة حين وجدت الذكاء الاصطناعي يكتب عني، أو لي، هذه القصيدة:" في ليالي البعد، يسكنني الحنين..وصوتك في قلبي نغمةٌ تناديني.. أرى في كل زاوية طيفك الجميل.. وعلى كل نجمة أكتب لك رسائلي"!! هذه القصيدة لم يكتبها بشر، ولا صدرت عن قلب عاشق لكنه ابداع جهاز حاسوب، عديم الشعور و الإدراك! ذهلت فطلبت منه أن يكتب لأجلي قصة قصيرة عن شاب فقير يحب فتاة في منطقة شعبية من القاهرة، ففاجئني بالقصة التالية تحت عنوان: "أحلام في زقاق مظلم"!
في حارة ضيقة من أحياء القاهرة الشعبية، حيث تلتقي الأزقة بالأحلام، عاشت ليلى، فتاة في السابعة عشر من عمرها،كانت ابنة الحي، تعمل في مصنع للخياطة لتساعد أسرتها. تعيش حياة عادية ولكن قلبها كان يفيض بالأحلام والقصص. وفي إحدى ليالي الصيف الحارة بينما كانت الأضواء تلتمع من المقاهي الصغيرة، لاحظت ليلى شابًا جديدًا في الحي. كان اسمه كريم، شاب مفعم بالحيوية. جاء من قرية نائية بحثًا عن عمل. عيناه اللامعتان كانتا تخبئان قصصًا لم تُروَ بعد. سرعان ما بدأ العمل في البناء وكان يُعتبر ذكيًا وموهوبًا. تلاقت عيونهما صدفة عند زاوية الشارع، وكانت تلك اللحظة بداية قصة حب غير متوقعة. رغم الفقر والضغوط الاجتماعية، نشأت بينهما صداقة جميلة. كانا يجتمعان في المساء عندما تنطفئ الأنوار، يتحدثان عن أحلامهما الكبيرة، ولحظات الماضي التي يتمنيان نسيانها"..
ويمضي الذكاء الاصطناعي بالقصة إلى خاتمة كالتالي: "مرت الأيام، لكن حبهم لم يقو على مواجهة الصعوبات. في نهاية المطاف، كان عليهما الاختيار بين العشق والواقع. لكن لقائهما في ذلك الزقاق المظلم سيبقى خالدًا في قلبيهما حزنا وأملا". قل لي أنت، إذا كان بوسع جهاز من الأسلاك الميتة واللمبات أن يكتب هكذا، فما الذي تركه للإنسان؟! الأمر ليس فقط مدهشا لكن مخيفا أيضا، كأننا نحدق بفتحة هاوية بلا نهاية. ولذلك الذكاء الاصطناعي مستويات منها البسيط الذي يتعرف مثلا على الصوت أو الصور، ومنها مستوى قادر على خلق الات وأنظمة تستطيع أداء أي مهمة فكرية يقوم بها البشر، ويعتمد الأخير على شبكات عصبية اصطناعية تحاكي بنية الدماغ البشري، وهذا الذكاء ثمرة الثورة الصناعية الرابعة التي سبقتها ثلاث ثورات: المحرك البخاري 1760، ثم ثورة الكهرباء نهاية القرن 19، ثم الكمبيوترات والنت نهاية ستينيات القرن العشرين، وقد توجت تلك الرحلة الطويلة بالذكاء الاصطناعي، الذي يفوق الخيال، ويثير الخوف، ويفتح الطريق لمئات الأسئلة الحيرى التي تطل مع الذهول. فإذا كان بوسع الدماغ الاصطناعي ان يكتب مثل تلك القصيدة، ومثل تلك القصة، وكل ما تشاء من أنواع أدبية، فما الذي يتبقى للإنسان؟ وما الذي يميز السلوك الكهربائية عن المشاعر الحارة الحقيقة؟ أظن، أو أود أن أظن، أن الانسان سيصل إلى تحديد الفوارق القاطعة بين شاعرية الحديد واللمبات والأسلاك، وشاعرية القلب الانساني. أتمنى هذا لكن حتى ذلك الحين سأبقى مذهولا أو قرويا ساذجا لا يستوعب ما يجري فيدعو الاخرين لمقاسمته هذا الذهول.
نقلا عن الدستور