رجب البنا
الدكتور بطرس غالى من السياسيين الذين لم تنقطع صلتهم بالحياة الأكاديمية، فهو على الرغم من المناصب والمهام التى أبعدته عن مدرجات الجامعة، كان يفكر بعقلية الأستاذ الجامعى، وإن كان قد اضطر إلى أن يمارس الدبلوماسية فى أعلى وأخطر الدبلوماسية المصرية والدولية، فهو كأستاذ يتميز بوضوح الفكر والقدرة على التحليل المنطقى، وكدبلوماسى يستطيع أن يعبر عن أفكاره بطريقة هادئة وغير مباشرة، وبعبارات تحتمل أكثر من معنى أحيانًا. ولكنه يكتب كل يوم أحداث يومه وملخص لقاءاته مع الزعماء والسياسيين، ويترك لقلمه العنان أحيانًا ليعبر بصراحة عما فى قلبه.. وإن كان لا يقول آراءه بصراحة كاملة، حتى عندما يكون وحده، فهو يكتب يومياته بحذر، وبصراحة محدودة، ومع ذلك فإن قليلًا من الصراحة يكفى لمعرفة الكثير مما يُخفيه وراء ابتسامته الدبلوماسية.

كنت ألتقى دائمًا بالدكتور بطرس عند قداسة البابا شنودة فى صباح عيدى الميلاد والقيامة، وسألته أكثر من مرة: متى تنشر مذكراتك؟، وأخيرًا تخلى عن إجاباته المراوغة، وقال لى: أنا الآن أعدها للنشر. قلت له مبتسمًا: وهل ستقول فيها كل شىء؟، فاكتفى بابتسامته المعهودة، التى تجعلك تختار لنفسك الإجابة التى تُرضيك. وأخيرًا، وصلتنى من الصديق الأستاذ إبراهيم المعلم، صاحب دار الشروق، نسخة من الكتاب الذى يضم يوميات الدكتور غالى. ولفت نظرى- أولًا- أنه على الرغم مما وصل إليه من مكانة دولية ومحلية، ظل ينتظر تحقيق ما هو أكثر تحقيقًا لنبوءة بشرته بأنه سوف يحصل على (بدر البدور)، وهذا ما جعله يختار لكتابه عنوان (فى انتظار بدر البدور)، ويضم يومياته من سنة ١٩٩٧ إلى سنة ٢٠٠٢.

ويعترف فى مقدمته بأنه لم يقل كل ما لديه، فيقول: «طيلة مسيرتى السياسية والدبلوماسية ألزمت نفسى بواجب التحفظ، ولم أشذ فى كتابى هذا عن هذه القاعدة الذهبية لأن معظم الشخصيات التى أذكرها التقيتها فى إطار مهماتى الرسمية، ومع ذلك، فإن حدث أن قمت بإفشاء بعض الأسرار، فإنى أود الاعتذار للأشخاص الذين ذكرتهم والأشخاص الذين أغفلت ذكرهم».

وقصة الدكتور بطرس غالى مع بدر البدور ترجع إلى يوم من أيام سبتمبر ١٩٩٤، وكان فى نيودلهى، واقترح عليه صديق أن يلتقى مع عراف هندى واسع الشهرة، سأله عن تاريخ مولده ومكانه وساعته ليحدد برجه القمرى. وبادره الدكتور غالى بالسؤال:

- إن فى نيتى السعى لولاية ثانية لخمس سنوات فى الأمم المتحدة، فما فرصتى لإعادة انتخابى؟.

ويقول د. بطرس:أصابتنى الخيبة من إجابته الفورية، إذ قال: لا أظن أنك ستنجح فى تحقيق هذا المشروع، لكنى أعتقد أن نجمك سوف يسطع أكثر بعد أن تنتهى من مهامك. سيحدث ذلك بعد انقضاء قمرك الألف. وبإمكانى أن أؤكد لك أن نجمك سيشع بنور لا مثيل له. لا أرى فى الوقت الحاضر سوى النور الباهر لهذا النجم.

يقول الدكتور بطرس: تساءلت أحيانًا كثيرة منذ هذا اللقاء الغريب عن رمزية هذا النور الذى سيضىء أيامى. وأنا أنتظر، كمَن ينتظر الوحى، أن يطلع بدر البدور!.
نقلا عن المصرى اليوم