سامح فوزي
ليس كل من ينتقد حزب الله أو إيران وأذرعها فى المنطقة يقف فى صف إسرائيل أو يوافق على عدوانها أو يعادى المقاومة مثلما يحاول البعض تصوير المشهد، لأن المراجعة وممارسة النقد ورفض التابوهات السياسية والأيديولوجية ضرورى فى نظرتنا لمستقبل هذه المنطقة التى باتت كئيبة بكل المقاييس، ولا ينبغى النظر إلى نقد الحركات الإسلامية مثل حماس وحزب الله باعتبارها مسألة دينية، مثلما يروج البعض، لأن النقد يرتبط بممارسة تلك الحركات على الأرض.

وإذا أردنا أن نلتمس المنطق فى التفكير، فإن تقييم الأمور يكون بالنتائج، ويصبح السؤال الجوهرى: ماذا حققت إيران وأذرعها ممن أطلق عليهم محور الممانعة او جبهة الرفض؟ الإجابة أنها أعطت إسرائيل ــ التى تتمتع بغطاء دولى غير مسبوق ــ فرصة التوسع فى ممارسة عدوانها، واستخدام آلة القتل والتدمير بلا حساب، وهو ما أدى إلى تدمير غزة بالكامل، والعدوان على الضفة الغربية ولبنان وسوريا واليمن، وإيران ذاتها، بحيث صارت أخبار قصف إسرائيل لمواقع ومنشآت فى دول عربية شىء معتاد، وغير مستغرب، ولا يشكل حدثا جللا. من اتخذ قرارات تصعيد المواجهة مع اسرائيل بهذا المستوى؟ من يتحكم فى وتيرة التصعيد؟ هل دول المواجهة العربية أم التشكيلات المسلحة والمليشيات التابعة لإيران؟ والمثال الأبرز حزب الله، هل هو جزء من الدولة اللبنانية او يتمتع بتفويض المقاومة المسلحة من الشعب اللبنانى المغلوب على أمره أم يتبع طهران أيديولوجيا وسياسيا؟ كيف آلت لبنان فى ظل ممارسات حزب الله الذى أغلق عمليا مؤسسات الدولة، وصارت الدولة تابعة له مع عدم تبرئة الأطراف الأخرى على الساحة؟

الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها تكشف عمق الازمة التى نعيشها ليس من اليوم، ولكن منذ سنوات طويلة؟ بالتأكيد لابد من مقاومة عدوان إسرائيل، والوقوف ضد الاحتلال والقهر الذى تمارسه وفق أجندة وطنية تحددها دول المواجهة، وتستخدم الأدوات والفرص المتاحة لها، وليس بقرارات تصنع فى طهران تخدم الأجندة الإقليمية لإيران، وتعطى ذرائع لإسرائيل لتحقيق أجندتها التى باتت واضحة، وتقوم من وجهة نظر حكومتها اليمينية المتطرفة على تصحيح ما تعتبره أخطاء سابقة وقع فيها قادة إسرائيل: ضرب اتفاقات أوسلو، إعادة احتلال جنوب لبنان، وتدمير غزة والهيمنة الأمنية عليها. فى رأى نتنياهو أن لديه فرصة إلغاء ما تحقق قبلا وسط واقع عربى ممزق، وغطاء دولى واسع، وجبهة داخلية متعطشة للعدوان، وضعف المؤسسات الدولية، وانشغال أمريكى بالانتخابات.

أين إيران مما يحدث؟ لماذا تنزوى فى ضعفها، وتصدر كيانات تابعة لا تستطيع أن تواجه إسرائيل، وينتج عن ممارساتها كوارث فى الدول القائمة بها؟ هل تريد صفقة مع الولايات المتحدة والغرب على حساب دول المنطقة التى عانت وتعانى من التدخلات الإيرانية؟ هل العراق وسوريا ولبنان واليمن كما كانت من قبل أم عادت خطوات للخلف أضافت كثيرا إلى ضعفها؟ ومن تدعم إيران فى هذه الدول وعلى حساب من؟

فى هذه اللحظات يجب أن نتحلى بشجاعة مواجهة الذات، وممارسة النقد. بالطبع الموت له حرمته، ولا شماتة فى رحيل سياسى له دور لعدة عقود، لكن هذا لا يعنى إغلاق أذهاننا، وتعطيل عقولنا عن ممارسة النقد.
نقلا عن الشروق