القمص يوحنا نصيف
يأتيني من وقت لآخَر أسئلة من بعض الناس حول كيفيّة العشور'>توجيه العشور.. وهل يصحّ أن نعطي العشور لأقربائنا المحتاجين؟ أم نرسلها للفقراء في مصر؟ وهل من الممكن أن نساهم بها في خدمة مدارس الأحد أو المطبوعات أو المباني؟ وهل من الضروري أن نقدّم عطاءً في كلّ مرّة ندخُل فيها الكنيسة عَمَلاً بقول الكتاب أن لا نظهر أمام الله فارغين (خر23: 15، 34: 20)؟!
أحاول -بنعمة المسيح- في هذا المقال مناقشة بعض الأفكار حول هذا الموضوع..
+ في البداية يلزمنا أن نضع في قلوبنا أنّ العشور ليست ملكًا لنا، بل هي تخصّ الله الذي يعطينا كلّ شيء بسخاء.. العشور هي حقّه، وإذا أخذناها لأنفسنا نكون قد سلبناه حقّه (ملاخي3: 8-9)..
+ من المهمّ أيضًا أنّ نؤكّد أنّ الله صادق وأمين في وعوده، وأنّه سيفتح كُوَى السموات، ويفيض بالخير والبركات للملتزمين بتقديم العشور له (ملا3: 10).. أو بحسب وعده في العهد الجديد: "أعطوا تُعطَوا.. بنفس الكيل الذي به تَكِيلون يُكالُ لكم" (لو6: 38).
+ إذا كان تقديم العشور لله هو مستوى العطاء في العهد القديم، ففي العهد الجديد يلزمنا أن نرتقي في العطاء ولو قليلاً عن هذا المستوى، واضعين أمام أعيننا كلام السيد المسيح: "إنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّموَاتِ" (مت5: 20).
+ الله في محبته يترك لنا العشور'>توجيه العشور في الاتجاه الذي يرتاح له ضميرنا.. فصحيح أنّ الوصيّة كانت من القديم تتعلّق بالعطايا التي تُقدّم للهيكل، لكي تفي باحتياجات العبادة في الهيكل وخدّام الهيكل من الكهنة واللاويين المتفرّغين للعبادة والتسبيح.. ولكنّنا نقرأ في العهد الجديد أنّ السيّد المسيح كان يتبعه بعض الأثرياء الذين كانوا يقدّمون بسخاء لاحتياجات الخدمة (لو8: 3)، وكان هناك أيضًا صندوق، له مسؤول يُصرَف منه على احتياجات الفقراء في الأعياد (يو13: 29).. وهذا يوسِّع لنا الدائرة التي نُقدّم فيها العشور، لتشمل كلّ الأعمال الخيريّة، أو المساعدات المتنوّعة للجميع من أجل المسيح..
+ أقترحُ بحسب رؤيتي البسيطة، نظامًا مَرِنًا لتوجيه عشورنا بشكل منتظم، يشمل ثلاثة محاور:
المحور الأول: الكنيسة التي نصلّي بها.. فهذا هو المكان الذي يخدمنا، ويلزمنا أن نساهم في احتياجاته.. إذ أنّ كلّ كنيسة لها احتياجاتها المتعدِّدة، مهما كانت تبدو غنيّة.. وعندما نساهم في سدّ هذه الاحتياجات من عشورنا فهذه يجلب البركة لبيوتنا وأولادنا.. هذا المحور ينبغي أن نودِع فيه ثلث عشورنا على الأقل..
المحور الثاني: الفقراء بوجه عام، في مصر أو في أيّ مكان.. وهذا يشمل أقاربنا المحتاجين أو مَن نعرف أنّ لهم احتياجات معيّنة، ويشمل أيضًا الجمعيّات الخيريّة أو المؤسّسات التي ترعي الأيتام والأرامل أو تهتمّ بالفقراء والمُعدَمين..
المحور الثالث: ويشمل الحالات الطارئة التي تواجهنا في حياتنا اليوميّة.. مثل شخص أو أسرة محتاجة يضعهم الله في طريقنا.. أو المساهمة في بناء أو شراء كنيسة جديدة.. أو تعضيد خدمة روحيّة أو كرازيّة.. أو الاشتراك في بعض احتياجات مدارس الأحد، أو نشر مطبوعات...إلخ. أمّا إذا لم يوجَد أمامنا حالات من هذا النوع فيتمّ توزيع باقي العشور في الاتجاهين الأول والثاني.
وأخيرًا بخصوص الانتظام في تقديم العشور.. فمن الأفضل أن نكون منتظمين شهريًّا، ولكن لا مانع أن يكون هناك أيّ نظام آخَر، مثل كلّ أسبوعين أو حسب موعِد الدخل المالي لكلّ شخص. والبعض يَحسِب الدخل السنوي، ويقدّم العشور مرّة واحدة أو يُقَسِّمها على عدّة مرّات.. وأحيانًا يكون هناك عادة جميلة ومباركة، وهي الالتزام بتقديم جزء من العشور في صندوق العطاء كلّ مرّة نتراءى فيها أمام الله في الكنيسة؛ فجيّدٌ ألاّ نظهر أمامه فارغين، ولكن لعلّ الأهمّ من العطاء المادّي هو ألاّ نظهر أمام الله فارغين من روح التوبة والخشوع والمحبّة!
القمص يوحنا نصيف
أكتوبر 2024م
* الأيقونة للأرملة التي قدّمَت الفلسين، وهما كلّ ما تملك. بينما لا تريد شمالَها أن تعرف ما تفعل يمينها.