محرر الأقباط متحدون
أصدر البابا فرنسيس إرادة رسولية بعنوان "الجمال الحقيقي" بهدف تعزيز روح الشركة الكنسية وأعاد بموجب هذه الوثيقة تنظيم هيكلية أبرشية روما محققاً دمجاً أكبر بين وسط المدينة والضواحي. وتهدف الإرادة الرسولية إلى بناء المزيد من الجسور بين مختلف أحياء المدينة الخالدة، وتؤكد على أن الاهتمام بالهشاشة يزيد من جمال الواقع، وأعربت عن أمنية البابا بأن تصبح روما فعلاً بيتا كبيرا للجميع، خصوصا مع اقتراب يوبيل العام ٢٠٢٥.
الإرادة الرسولية الجديدة حملت تاريخ الأول من تشرين الأول أكتوبر الجاري ويعيد من خلالها الحبر الأعظم رسم حدود المناطق الكنسية التي تتقسم إليها الأبرشية، بهدف تحقيق المزيد من التناغم بين مختلف الرعايا. وشدد البابا في الوثيقة على أهمية إعادة قراءة التنظيم الرعوي في ضوء اليوبيل الذي تستعد الأبرشية والكنسية للاحتفال به العام المقبل. ولفت إلى أن هذه المتطلبات لا يمكن إرجاؤها لأسباب عدة، وفي طليعتها الحاجة إلى نظرة أكثر ديناميكية بين وسط المدينة وضواحيها، ورأى فرنسيس أن هذا الأمر سيساهم في تعزيز روح الشركة الكنسية.
وكتب الحبر الأعظم في الإرادة الرسولية أن عملية التوسّع المُدني ولدت شرخاً وهوة بين الوسط والضواحي، مضيفا أن الوسط التاريخي، الذي هو بمثابة مزار في الهواء الطلق، بات منعزلاً عن الأطراف ويواجه خطر أن يتحول إلى متحف يزوره الأشخاص وألا يكون قادرا على التعبير عن قداسة المدينة الخالدة. كما أن أطراف المدينة وضوحيها لم تحظ بالاهتمام المطلوب من قبل البلدية التي غالباً ما يعتبر السكان أنها لا توفر الخدمات على المستوى المنشود. ومن جهة ثانية يشهد الوسط تراجعاً ملحوظا في عدد السكان نظراً لارتفاع عدد السياح والحجاج والتجار.
من هذا المنطلق يشدد البابا فرنسيس على ضرورة بناء المزيد من الجسور بين الوسط والأطراف ويؤكد أن الغاية من إعادة تنظيم الهيكلية الكنسية ليس إغلاق الوسط التاريخي بل على العكس إن الهدف يكمن في فتحه على الأطراف والضواحي، وحل ما سُمي بالتوتر الثنائي الأقطاب الذي كانت تتضمنه النظرة الاجتماعية والكنسية تجاه الوسط والضواحي.
مما لا شك فيه أن الوثيقة البابوية الجديدة تستلهم من المبادئ الواردة في العقيدة الاجتماعية للكنيسة الكاثوليكية، والتي سلط عليها الضوء الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل"، وهو موضوع تناوله الحبر الأعظم في مناسبات عدة لاسيما خلال زيارته الرسولية الأخيرة إلى لوكسمبورغ وبلجيكا عندما حذّر من مغبة ألا يأخذ رعاة الكنيسة في عين الاعتبار التغييرات التي ترافق هذه الحقبة من الزمن. كما شدد على ضرورة أن يُنظر إلى شعب الله العائش في منطقة كنسية معينة، مع إعادة النظر إلى مواعيد الاحتفالات كي تكون أكثر ملائمة مع متطلبات الأسر. وأكد على أن هذا التواصل بين وسط المدينة وضواحيها يجعل من هذه الأخيرة شريكاً في التاريخ المسيحي لروما، وبالتالي يساهم في ترسيخ الجذور التي تكوّن هوية المؤمنين الرومانيين.
في سياق حديثه عن يوبيل العام ٢٠٢٥ والذي تستعد له الكنيسة أكد الحبر الأعظم أن المعيار بالنسبة لرعايا روما ليس مرتبطاً بأعداد الحجاج الذين سيتوافدون إلى المدينة الخالدة. إذ لا بد أن يصب المؤمنون الرومانيون الاهتمام، في هذه المناسبة، على ضرورة أن يكونوا جزءً من هذا التاريخ المفعم بالنور والجمال، وأن يكونوا في الوقت نفسه مستعدين لتقبل هذا الجمال في العمق، لذا ينبغي أن تكون أبواب اليوبيل، وقبل أن تصبح مناسبة للقاء الحجاج الوافدين من كل أنحاء العالم، مقصد حج للرومانيين أنفسهم. وقدم البابا بعض الأمثلة بشأن الأماكن التي يمكن أن يزورها مؤمنو أبرشية روما.
في ختام الإرادة الرسولية كتب البابا أن الجمال سينقذ العالم بقدر ما ستكون الكنيسة قادرة على إنقاذ هذا الجمال، إنقاذه من التلاعب الأيديولوجي ومن التجارة والاقتصاد عندما يُحوّل الجمال إلى صورة للاستهلاك وحسب. هذا ثم عاد البابا ليشدد على أهمية بناء الجسور كي تُعزز الشركة الكنسية ويُرسخ انتماء جميع المؤمنين إلى المسيح القائم من الموت وإلى كنيسته.