خالد منتصر

بينما غبار المعارك فى لبنان لا يهدأ ما زلت أتذكر كلمات جبران خليل جبران فى إحدى مقالاته، والتى نُشرت فى كتاب «فى عالم الرؤيا»، وعنوانها «لكم لبنانكم ولى لبنانى»، يقول فيها:لكم لبنانكم ولى لبنانى.لكم لبنانكم ومُعضلاته، ولى لبنانى وجماله.لكم لبنانكم بكل ما فيه من الأغراض والمنازع، ولى لبنانى بما فيه من الأحلام والأمانى.‏لكم لبنانكم فاقتنعوا به، ولى لبنانى وأنا لا أقنع بغير المجرد المطلق.

 

لبنانكم عقدةٌ سياسية تحاول حلَّها الأيام، أمَّا لبنانى فتُلول تتعالى بهيبةٍ وجلالٍ نحو ازرقاق السماء.لبنانكم مشكلةٌ دولية تتقاذفها الليالى، أما لبنانى فأودية هادئة سحرية تتموَّج فى جنباتها رنَّات الأجراس وأغانى السواقى.لبنانكم صراع بين رجل جاء من المغرب ورجل جاء من الجنوب، أما لبنانى فصلاة مُجنَّحة تُرفرفُ صباحاً عندما يقود الرعاة قُطعانهم إلى المروج، وتتصاعدُ مساءً عندما يعود الفلاحون من الحقول والكروم.‏لبنانكم حكومة ذات رءوس لا عداد لها، أما لبنانى فجبل رهيب وديع، جالسٌ بين البحر والسهول جلوس شاعر بين الأبديَّة والأبديَّة.

 

لبنانكم حيلة يستخدمها الثعلب عندما يلتقى بالضبع، والضبع حينما يجتمع بالذئب، أما لبنانى فتذكارات تُعيد على مسمعى أهازيج الفتيات فى الليالى المقمرة، وأغانى الصبايا بين البيادر والمعاصر.لبنانكم مربعات شطرنج بين رئيس دين وقائد جيش، أما لبنانى فمعبد أدخله بالروح عندما أملُّ النظر إلى وجه هذه المدينة السائرة على الدواليب.‏لبنانكم رجلان، رجل يؤدى المكوس ورجل يقبضها، أما لبنانى فرجل فرد مُتكئ على ساعده فى ظلال الأَرْز، وهو منصرف عن كل شىء سوى الله ونور الشمس.

 

لبنانكم مرافئ وبريد وتجارة، أما لبنانى ففكرة بعيدة وعاطفة مُشتعلة، وكلمة علوية تهمسها الأرض فى أُذُن الفضاء.لبنانكم موظفون وعمال ومديرون، أما لبنانى فتأهُّب الشباب وعزم الكهولة وحكمة الشيخوخة.لبنانكم وفود ولجان، أما لبنانى فمجالس حول المواقد فى ليالٍ تغمرها هيبة العواصف ويُحَلِّلُها طُهر الثلوج.

 

 

لبنانكم طوائف وأحزاب، أما لبنانى فصِبْيَة يتسلقون الصخور ويركضون مع الجداول ويقذفون الأكر فى الساحات.لبنانكم خُطَبٌ ومحاضرات ومناقشات، أما لبنانى فتغريد الشحارير، وحفيف أغصان الحور والسنديان، ورجع صدى النايات فى المغاور والكهوف.لبنانكم كَذِب يحتجب وراء نقاب من الذكاء، أما لبنانى فلا يتصل ولا ينفصل ولا يتفوق ولا يتصاغر.لكم لبنانكم ولى لبنانى.

نقلا عن الوطن