أحمد الخميسي
بدأت الترجمة بالأخطاء، ومازالت عرضة لها إلى الآن، ويذكر سعيد الشحات نقلا عن كتاب هيكل "عبد الناصر والعالم" أن غلطة في الترجمة كادت تفضي إلى أزمة دبلوماسية في أول زيارة لعبد الناصر إلى موسكو 29 أبريل 1958، فقد فهم عبد الناصر من ترجمة حديث خروتشوف أن الزعيم السوفيتي ينوه بضرورة افساح المجال في مصر للأحزاب الشيوعية، فاحتج ناصر على ذلك وقال لخروتشوف إن ذلك تدخل لا يقبله في شئون مصر الداخلية، ودهش خروتشوف وأنكر تماما أنه أشار إلى هذا المعنى من قريب أو بعيد، ثم اتضح خطأ المترجم الروسي، فعقب خروتشوف مزمجرا:  " إذا كان المترجم يرتكب خطأ فى أمر مهم كهذا فإن علينا أن نحوله إلى قطعة من الصابون"ّ ! أي نهرسه! لكن ناصر طلب مسامحة المترجم التعس.

وعندما نشأت حركة الترجمة في مصر مع دخول الحملة الفرنسية (١٧٩٨– ١٨٠١) استعان بونابرت في ترجمة المراسيم الادارية بالسوريين المقيمين في القاهرة لإتقانهم اللغات الأجنبية مع العربية، وكانت أولى بوادر الترجمة إلى العربية كتاب "الأمير" لميكافيللي عام ١٨٢٥م، ثم أنشأ رفاعة الطهطاوي مدرسة الألسن بعد ذلك بعشر سنوات في عام 1835، ففتحت الأبواب على مصراعيها، وفتح فيها أقساماً متخصِّصة لترجمة الرياضيات والطبيعيات والانسانيات، إلى جانب عشرين كتاباً من ترجمته، وعشرات أخرى أشرف على ترجمتها.

ويذكر له أنه أول من ترجم رواية إلى العربية وهي"مغامرات تليماك".

ولم تخل البدايات من سمات العصر الطريفة ومنها أنه بعد افتتاح مدرسة الترجمة بعامين قامت مجموعة من المترجمين العاملين في مدرسة الطب المصرية(قصر العيني لاحقا) بترجمة قدر لا يستهان به من فروع الطب المختلفة من جراحة لتشريح لأمراض الولادة والأمراض الجلدية، لكن تلك الترجمات اعتمدت على السجع مثلما كان في كتاب طبي عن العيون بعنوان: "ضياء النيرين في مداواة العينين" ترجمه الشيخ أحمد الرشيدي، وطبعته مطبعة بولاق عام  ١٨٤٠، ويقول المترجم في مقدمته سجعا:" نسألك يا معيد صحة الأجسام بالتدبير الحميد، ومبيد جيش الأمراض بالعلاج السديد" إلى أخره، وفي ذلك المجال نذكر  من أولئك الرواد يوحنا العنجوري، وأغسطس سكاكيني،  ومحمد الشافعي.

وفي 30 سبتمبر من كل عام يحتفل الاتحاد الدولي للمترجمين باليوم العالمي للترجمة، و قد اختار الاتحاد ذلك التاريخ لارتباطه بذكرى وفاة القديس جيروم الذي ترجم للمرة الأولى الكتاب المقدس من العبرية إلى اللاتينية فكفل له الانتشار في أوروبا.

الان يتكلم العالم بسبع آلاف لغة، معظمها منطوق والقليل منها مكتوب، ونحن مازلنا إذا فكرنا في الترجمة نفكر فيها بصفتها عملا قاصرا على مجال الأدب ودوائر المثقفين، لكن الترجمة تبرز في واقع الأمر بصفة ورسالة أكثر أهمية وجلالا، أي العمل من أجل تداخل الحضارات، واندماجها في حضارة إنسانية واحدة، والترجمة بهذا المفهوم هي إبداع في دمج البشرية في عائلة واحدة.

هذا التقدير الرفيع الصادق لدور الترجمة لا ينفي أنها مازالت تتعثر في بعض العيوب، وفي مقدمتها أن عددا كبيرا ممن يترجمون يتخيلون أن عليهم أساسا اتقان اللغة الأجنبية، فيفعلون ذلك، ثم يعجزون لضعف لغتهم العربية عن نقل المضمون أو الصور.

ومع ذلك وفي كل الأحوال لابد من تعظيم سلام لكل مترجم من أولئك الذين ينسجون بهدوء الثوب الحضارة الانسانية الملون بمختلف الثقافات، ولا بد ايضا أن نعفو عن الأخطاء ولا نحول أصحابها إلى" قطعة من الصابون"!
نقلا عن الدستور