سامح فوزي
حوارات المثقفين فى القاهرة شأن، والحوار مع الناس فى الريف شأن آخر. ليس معنى ذلك تفضيل حوار على آخر، فكلاهما له نفس الأهمية، ولكن يعنى أن النخبة المثقفة لديها مساحة واسعة للحوار، بينما ينكفئ أهل الريف على همومهم، ولا يجدون مجالا للبوح والنقاش مع المثقفين رغم أنهم على خط المواجهة المباشرة مع الفقر.

أتاح لى منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية حوارًا مع شباب وقيادات مجتمعية ودينية من قريتى «العمودين» و«بنى أحمد» فى المنيا. شكل اللقاء ميزتين بالنسبة لى: الأولى الاقتراب من هموم الريف بالصعيد بتفاصيلها المحيرة عن قرب، ومن أصحابها مباشرة، والثانى مزاملة شخصيتين دينيتين لهما حضور فى مجال الحوار هما الدكتور عمرو الوردانى، والدكتور القس أمير صادق. دار الحوار حول التحديات التى تواجه الفتيات فى مجال التعليم. اتسم الحوار بالثراء والوضوح والمباشرة. من أبرز الأسباب التى تدعو الأسرة إلى عدم تعليم بناتهم أو اكتفائهن بقدر يسير من التعليم، هو الاعتقاد بأن الزواج هو المحطة النهائية للفتاة، وبالتالى لن يضيف التعليم الكثير لها، وإذا كانت الأسرة فقيرة أو رقيقة الحال تحدث المفاضلة بين الولد والبنت، وغالبا ما تكون فى صالح الولد أن يواصل تعليمه بينما تتسرب الفتاة من المدرسة فى انتظار الزواج. وبعض الفتيات يملن إلى ترك التعليم أو الحصول على الحد الأدنى منه حتى يتزوجن أسوة ببقية بنات القرية. ويشكل الخوف على البنت أو الفتاة أحد أسباب تركها التعليم، فهناك قرى لا توجد بها سوى مدرسة ابتدائية أو حتى إعدادية، وبالتالى فإن الفتاة التى ترغب فى مواصلة التعليم سوف تتجه إلى المدرسة الثانوية ثم المعهد أو الكلية خارج القرية، وهو ما يجعلها عرضة إلى مشاق الطريق التى تشمل تكاليف الانتقال والمواصلات، والتعرض للتحرش والنميمة الاجتماعية. تستغرب أن تسمع من الشباب وقيادات المجتمع ورجال الدين أن التحرش بات مشكلة، وتحديا، ويتسبب فى مشكلات اجتماعية، ومشاجرات فى قرى صعيدية، وتميل الأسر إلى عدم إثارة المسألة إذا تعرضت إحدى بناتهن للتحرش، خوفا من أن تلوك الألسنة سمعتها، وتصبح مادة حديث، وقيل وقال.

التعليم بالنسبة للفتاة ضرورة، رغم تواضع مستواه فى المدارس، لأنه يوفر لها مساحة جديدة فى الحياة، وفرصة تعلم وتحرر من أفكار خاطئة، وبناء علاقات اجتماعية أفضل، وتُمكن اقتصاديا حين تحصل على عمل بعد ذلك، وحتى إن كان مآلها النهائى هو الزواج، والبقاء فى المنزل، فعندما تكون متعلمة تتمتع بفرصة زواج أفضل، وتستطيع أن تربى أبناءها بطريقة أحسن. السؤال أين المجتمع من كل ذلك؟ هل نقبل أن تُحرم فتاة من قرية أو نجع فى القرن الحادى والعشرين من التعليم لأسباب كانت تصلح لتفسير تلك الظاهرة منذ قرن من الزمن!

إذا لم تكن هناك وسائل انتقال آمنة لنقل التلاميذ من قرية لأخرى، أو من قرية إلى المركز، لماذا لا يتصدى رجال الأعمال والمؤسسات الدينية والاجتماعية لذلك؟ وإذا كان عدم تعليم الفتاة يرجع إلى عدم استطاعة أسرتها تحمل تكاليف التعليم، لماذا لا تُمد يد العون لهؤلاء الفتيات ــ ولا أقول الوالدين ــ حتى يستطعن مواصلة التعليم؟ أعرف أن هناك هيئات ومؤسسات وأشخاصا يقدمون المساعدة، ولكن المسألة أكثر اتساعا واحتياجا، وهو أمر يمكن تدبيره، لأننى أظن أن ما تصرفه مؤسسة أو شركة أو رجل أعمال فى حفل يمكن أن يسدد به مصروفات مئات الطلاب والطالبات فى المدارس. المسألة أولويات فى المقام الأول.
نقلا عن الشروق