مراد وهبة
محمد إقبال شاعر من باكستان درس فى برلين وكانت غايته إحياء الفكر الإسلامى ودوره الخلاق فى الفلسفة. معظم مؤلفاته بالفارسية أما شعره فباللغة الأُردية ويستلهم فيه الشاعر الفارسى الصوفى جلال الدين الرومى (١٢٠٧-١٠٧٣). وله فقرة ذات دلالة مهمة فى كتابه المعنون «إعادة بناء الفكر الدينى»: «أخشى ألا يكون لى فلسفة لتدريسها. فأنا كاره للمذاهب الفلسفية، وليست لدى ثقة فى مبادئ الفلسفة ونتائجها. ولا أحد يدين العقل الإنسانى أكثر منى. ولكن مما لا شك فيه أننى أتحدث عن قضايا هى موضع اهتمام من الفلاسفة إلا أنها ثمرة خبرة حية وليست ثمرة برهان فلسفى».

وهذه الفقرة تدل على أن إقبال لديه ميل نحو الفلسفة سواء كانت شرقية أو غربية ولديه فقرة تقول: «إن الدين ليس فكر أو عاطفة أو فعل إنما هو تعبير عن الإنسان برمته». وهذا الإنسان، فى رأيه، يلزم أن يكون متعاطفا مع الفلسفة الغربية وهو هنا يخص بالذكر الفيلسوف الفرنسى هنرى برجسون من القرن العشرين. لماذا؟ لأنه يشيد بالتجربة الصوفية من حيث إنها تعنى أن تحت المجال الضيق للشعور منطقة عميقة هى منطقة الحياة الباطنة، حياة اللاشعور، واللاشعور عنده هو نوع عال مما تحت الشعور، وأعلى من الشعور وهو يصاعد بالنفس إلى حياة روحية ممتنعة على العقل ولكن فيها يتم الاتصال بيننا وبين الله، وبيننا وبين سائر النفوس. وفى هذا المعنى يقف برجسون ضد التفسير الميكانيكى ولكنه فى الوقت ذاته يمهد للدخول فى ديالكتيك الفيلسوف الألمانى هيجل. ومن هنا يقال إن فلسفة هذا الفيلسوف لها صدى لدى إقبال فى سياق أفكاره عن المتناقضات ومحاولة التوفيق بينها وذلك برفعها إلى متناقضات أعلى. إلا أن ثمة فلاسفة أعظم من هيجل لدى إقبال وفى الصدارة الفيلسوفان الألمانيان شوبنهور ونيتشه.

فالعالم الحسى هو مرآة الإرادة عند شوبنهور إلا أن الإرادة عنده عمياء. ومن هنا فإن إقبال يتعاطف مع مفهوم الإرادة عند نيتشه من حيث إنها إرادة القوة. ومن هنا فإنه يضع قسمة ثنائية بين أخلاق السادة وأخلاق العبيد ولكنه وجد أن الغلبة كانت لأخلاق العبيد التى أسست قيمًا تخص أخلاق القطيع من الحيوانات. ومع ذلك فإنه يتطلع إلى خلق الإنسان الذى يتسق مع أخلاق السادة. ومع ذلك فإن إقبال ينتقد نيتشه فى نظريته عن العود الأبدى التى يمتنع معها ممارسة الإبداع من أجل تثبيت ما يسميه القدرية، وهو فى رأيه أسوأ من لفظ القسمة والنصيب.
نقلا عن المصرى اليوم