أحمد الخميسي
في 7 أكتوبر الحالي يكون قد انقضى عام كامل على حرب الإبادة التي تشنها القاعدة الاستعمارية على غزة، فهل أن عمر الإبادة عام واحد؟ يسوقني إلى ذلك التساؤل كتاب نادر أرسل الصديق عادل سالم إلى نسخة منه، مطبوع عام 1938 بعنوان" فلسطين الشهيدة.

سجل مصور لبعض فظائع الانكليز واليهود 1921-1938"، ومن العنوان تتضح العلاقة الوثيقة بين الاستعمار ونشأة الكيان المصطنع، فالفظائع التي يرتكبها الاستعمار واليهود تجري منذ أكثر من مئة عام وليس عاما واحدا.

على الغلاف تحت العنوان مكتوب:" النسف، الحرق، التخريب، النهب، تدمير المدن والقرى، التشويه، التعذيب، قتل النساء والأطفال، إهانة كتاب الله، تخريب المساجد".

وتتعرض المقدمة للسياسة:" الانكليزية الظالمة التي ترمي لإجلاء الشعب العربي عن بلاد آبائه وأجداده، وإحلال شعب غريب يجلب من آفاق الأرض محله"، ومن ثم تتابعت ثورات المقاومة الفلسطينية للاستعمار، وبداية يعتذر الكتاب عن أنه لم يجد صورا من الثورة الأولى 1920 لتوثيقها، لكنه يبدأ بالتوثيق بالصور مع الثورة الثانية في يافا مايو 1921، ويقول في ذلك أن اليهود:" اعتدوا على النساء والأطفال واستعملوا ماء الفضة يحرقون به الوجوه ويشوهونها"، ثم يأتي على ثورة البراق 1929 التي شملت فلسطين كلها بعد اعتداء اليهود على المسجد الأقصى فعلق الانكليز أبطالا كثيرين على أعواد المشانق، ثم يشير إلى تضخم الهجرة اليهودية والاستيلاء على الأراضي مما أشعل" ثورة المظاهرات" عام 1933، ويقول في ذلك:" وقد اصطدم المتظاهرون بالبوليس الانكليزي، وكانوا عزلا من السلاح فلم يجدوا غير النعال يرشقون البوليس بها"، فقتل نحو 27 رجلا وجرح مئة.

وأخيرا تندلع ثورة 1936، ونرى صورها، وقد بدأت باضراب عام، وقام الانكليز واليهود خلالها:" بتهديم البيوت العامرة ونسفها بالديناميت، وبلغوا من ذلك أنهم ينسفون مدينة بأسرها، وحيا برمته، وقرية بكاملها".

ويستعرض الكتاب صورا من نسف مدينة جنين عام 1938، وغيرها من مدن فلسطين، وهناك صور تشبه ما نراه وما يحدث الآن، صور فلسطينيين يفتشون حينذاك عن أمتعتهم تحت أنقاض بيوتهم.

ويوثق الكتاب بالصور كيف أحرق الانكليز واليهود قرية كوكب أبو الهيجاء عام 1938 ودمروها بالكامل، ومن ثم:" كان من نتائج ما صبه الانكليز على القرى من الفظائع أن أهلها جعلوا يهجرونها حتى لم تعد تتسع المساكن فأقاموا في المساجد والكنائس والحوانيت والشوارع".

يعتمد الكتاب الذي يقع في ثمانين صفحة على صور نادرة من تلك السنوات التقطت بعضها مواطنة أجنبية ذات ضمير حي عاشت في فلسطين.

بشكل عام يترك الكتاب انطباعا بأن كل ما نراه الآن من أساليب الابادة في غزة بدأ منذ مئة عام، مع المخطط الاستعماري لإقامة قاعدة عسكرية تتولى الدفاع عن مصالح الاستعمار وترويع الدول العربية لإخضاعها اقتصاديا وسياسيا، نفس الأساليب التي تكشف عن دور تلك القاعدة الاستعمارية التي تتخذ من وجود حماس أو حزب الله ذريعة للإبادة، فهل كانت حماس موجودة ما بين 1920 و1948 حين ارتكب الانكليز واليهود تلك الفظائع؟ كما لم يكن لحزب الله وجود حين قام الكيان بأكثر من ألفي عدوان على لبنان من يونيو 1968 حتى ديسمبر 1972، ولا يوجد في أكرانيا حيث ينشط الكيان الآن أي أحزاب إسلامية! لكنه دور القاعدة الاستعمارية: الضرب حيثما يشير إليها سادتها الذين يطعمونها السلاح والمال والحماية الدولية.
نقلا عن الدستور