د.ممدوح حليم
إن الكتاب المقدس ليس كتابا عنصريا على الإطلاق، فعلى الرغم من أن التوراة / العهد القديم هو الكتاب الخاص بالأساس لليهود، إلا أنه تحدث بإيجابية عن العرب وعن جدهم إسماعيل وعن رعاية الله له ، وعن الوعود التي قيلت عنه من الله لأمه هاجر.

حين هربت هاجر أمه من إذلال سارة لها، ظهر لها ملاك الرب ودعاها للعودة.

" ١٠ وقال لها ملاك الرب: «تكثيرا أكثر نسلك فلا يعد من الكثرة». ١١ وقال لها ملاك الرب: «ها أنت حبلى، فتلدين ابنا وتدعين اسمه إسماعيل، لأن الرب قد سمع لمذلتك. ١٢ وإنه يكون إنسانا وحشيا، يده على كل واحد، ويد كل واحد عليه، وأمام جميع إخوته يسكن». (التكوين ١٦: ٨-١٢)

لقد وعد الملاك هاجر أن نسلها سيكون كبيرا، وها العرب نسلها يتجاوزون ٤٠٠ مليون بعد اختلاطهم بالشعوب المجاورة نتيجة غزوهم لها. ولقد انبأها أن ابنها إسماعيل سيكون وحشيا، وسيكون في صراع مع من حوله، وهو ما نراه في أحفاده حتى الآن.

لقد تحدث الله لابراهيم ، وأخبره عن نواياه تجاه ابنه إسماعيل ، فقال له:
" وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا. اثني عشر رئيسا يلد، وأجعله أمة كبيرة". (التكوين ١٧: ٢٠)
وهكذا تكررت الوعود الإلهية بأن إسماعيل سيكون له نسل كبير، مرة أعلن ذلك لأمه هاجر، ومرة أخرى لأبيه ابراهيم.

         لقد طلبت سارة من إبراهيم أن يطرد هاجر وابنها إسماعيل، وفي مشهد إنساني مؤثر يروي لنا الكتاب المقدس تفاصيل هذا الموقف، فقال:

١١ فقبح الكلام جدا في عيني إبراهيم لسبب ابنه. ١٢ فقال الله لإبراهيم: «لا يقبح في عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك. في كل ما تقول لك سارة اسمع لقولها، لأنه بإسحاق يدعى لك نسل. ١٣ وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك». ١٤ فبكر إبراهيم صباحا وأخذ خبزا وقربة ماء وأعطاهما لهاجر، واضعا إياهما على كتفها، والولد، وصرفها. فمضت وتاهت في برية بئر سبع. ١٥ ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت إحدى الأشجار، ١٦ ومضت وجلست مقابله بعيدا نحو رمية قوس، لأنها قالت: «لا أنظر موت الولد». فجلست مقابله ورفعت صوتها وبكت. ١٧ فسمع الله صوت الغلام، ونادى ملاك الله هاجر من السماء وقال لها: «ما لك يا هاجر؟ لا تخافي، لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو. ١٨ قومي احملي الغلام وشدي يدك به، لأني سأجعله أمة عظيمة». ١٩ وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء، فذهبت وملأت القربة ماء وسقت الغلام. ٢٠ وكان الله مع الغلام فكبر، وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوس. ٢١ وسكن في برية فاران، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر. (التكوين ٢١: ١١-٢١)

لقد أكد الله مرة ثانية لابراهيم أن نسل إسماعيل سيكون أمة كبيرة، وأكد ثانية ملاك الله لأمه هاجر أنه سيكون كذلك رغم أنه كان على وشك الموت عطشا وكان فتى كبيراً.

كان مشهدا مأسويا كبيرا بعد طرد هاجر وإسماعيل. الأم تبكي وهي ترى ابنها يموت عطشا، والفتى إسماعيل يتأوه من شدة العطش. لقد سمع الله لصوت الغلام، وفتح عيني أمه فأبصرت عين ماء، وعاش إسماعيل وصار نسله كبيرا بعد أن تزوج مصرية. وكان يحب رمي السهام بارعا فيه، ونسله كذلك.