د. أمير فهمي زخارى
 
كان آخر جزء في المقال الجزء الثاني من حكاية الهكسوس هو الآتى:
العجلات الحربية كانت عبارة عن ثلاثة خيول " مربربة" بتجر عربة خشبية على شكل مثلث وداخلها ثلاثة فرسان واحد معاه درع يصد الهجوم والنبال – وواحد يقود – وواحد معاه مجموعة حراب يلوش بيها يمين وشمال اللي إيديه تطوله والعربة تسير..
 
ووقفنا عند السؤال ... طيب فين المشكلة ما نعمل زيهم؟
 
نكمل باقي الحكاية علشان نعرف المشكلة فين ونحلها..
 
خلي بالك إن الجيش المصري وقتها ميعرفش حاجة إسمها خيول حرب وكان كله عبارة عن مشاة فقط.. وعلشان يجيبوا خيول بالعدد ده مفيش غير طريقتين: أولهم: هو توالد الخيول وده مش موجود.. 
 
ثانيا: إن الخيول كانت بتيجي من آسيا وده برضه مينفعش لإن الهكسوس مسيطرين على الطرق بين مصر وآسيا فمش هيسمحولك..
لحد ما تولى العرش الملك " سقنن رع" اللي هو والد أحمس وكان الغضب الشعبي واصل للذروة نتيجة الغلاء والضرائب اللي كان بيفرضها الهكسوس، وف يوم إستيقظ الملك " سقنن رع" على بردية على يد محضر هي الأكثر استفزازا في التاريخ من ملك الهكسوس الأشهر " أبو فيس" بيقول فيها: إن "أفراس النهر" عندكم صوتها عالي وعاملالنا إزعاج فشوفولكم حل علشان دي ساعة ضيقة وكده"
 
الملك " سقنن رع" قال خلاص التحرش وصل مداه، وراح حاشد جيوشه وتوجه للهكسوس، وكان من عقيدة الجيش المصري وقتها إن الملك يتقدم الجيش في الصفوف الأولى.. ونظرا للتفوق العددي والعسكري كانت المعركة كبيرة وغير متكافئة ... خاصة إن " العجلات الحربية" كانت بتنطلق بسرعة قصوى تقتحم الجنود وتدوس عليهم، فكانت الغلبة للهكسوس وتم أسر الملك " سقنن رع"  وتم تعذيبه وانتهى به الأمر بثلاثة ضربات على رأسه أنهت حياته ( جمجمته اللي في الصور تحت وموجودة في المتحف المصري )..
 
معلش أنا ماشي بسرعة في السرد علشان متملش..
بعد وفاة عم " سقنن" مسك إبنه " كاموس " الحكم وكمل المسيرة في تجهيز وتسليح الجيش، وراح مهاجم الهكسوس تاني بس المرة دي ألحق بيهم الضرر وفضل مكمل لحد حدود دولتهم، ولكن نظرا لإنهاك الجيش وشدة تحصين دولة الهكسوس فاضطر " كاموس " يرجع لطيبة (الأقصر حاليا)..
مات كاموس وجه بقي صاحبنا اللي عليه الضجة حاليا وهو الملك " أحمس"
 
عمره وقت تولي الحكم كان 10 سنين ولإنه من أسرة محاربين ومشحون بكره كبير لقتلة ابيه.. تعلم فنون القتال من أول يوم في حكمه ولمدة عشر سنين فضل أحمس يطور الدولة المصرية وأنشأ جهاز استخبارات لجمع المعلومات عن العدو، وقام بتطوير الجيش وتسليحه.. لكن فضلت سلاح العجلات الحربية هو العائق اللي لازم يتغلب عليه، ففكر في فكرة عبقرية والمؤرخين بيقولوا إنها أحد الأسباب الرئيسية لهزيمة الهكسوس وطردهم من مصر..
" أحمس " جمع خيرة مهندسين مصر وقال ليهم شوفولي تصميم للعجلات الحربية لا يحتاج لثلاثة خيول بل يكفي إثنان فقط، وطلب منهم كمان يخففوا الاخشاب السميكة لإنها وزن عالفاضي وبكده يبقى كسب حاجتين:
 
-الأولى إنه امتلك سلاح العجلات اللي كان فارق في المعارك وفى نفس الوقت مش هيحتاج عدد خيول كبير لتسليح الجيش..
-الثاني إن العربيات القديمة صاحبة الثلاثة خيول كانت صعبة المناورة ومش بتسير إلا في خطوط مستقيمة، لإن علشان تناور بثلاثة خيول هيتعثروا وينكفوا على بوزهم.. 
 
ضيف على كده حاجة اتعلمها من الهكسوس وهي السيوف ورؤوس الرماح اللي كانت مصنوعة من البرونز القوي، واللي كانت من اسباب الهزيمة لإن سيوف المصريين كانت سريعة الكسر عند المبارزة معهم..
 
المهم كل ده والهكسوس شايفين الملك الشاب المتحمس خطره بيزيد ولما بلغ " أحمس" 18 سنة قام جهاز الإستخبارات حَجُّه بإعتراض بردية مبعوثة من –الأبعد- ملك الهكسوس " خامودي".. بيستحث فيها الأوغاد حكام النوبة الخونة ( في وقتها) إنهم يهجموا على العاصمة " طيبة" من الجنوب وهو هيقوم بالهجوم من الشمال فيصبح أحمس وجيشه بين شقيّ الرحى..
 
وهنا قال " أحمس" مابدهاش لإن لو ده حصل فمعناه إنتهاء الدولة المصرية بالكامل، وجمع جيشه وراح هاجم على الهكسوس اللي كان جيشهم وقتها قرابة ال250 ألف جندي، بينما جيش أحمس قوامه 48 ألف مقاتل فقط.. ونجح في هزيمتهم في عدة معارك خلدوها في الكثير من الجداريات والبرديات.. وماكتفاش بده، لا ده طاردهم حتى حدود فلسطين حتى أحرق حصونهم وأبادهم عن بكرة أبيهم، ودي كانت نهاية دولة الهكسوس..
تفتكروا اكتفى بكدة؟ لا
 
بعد ما رجع لطيبة أمر بإحراق وطمس كل ما له علاقة بالهكسوس علشان كده هتلاقي المعلومات عنهم في الآثار شحيحة (العبارة دى مهمه جدا جدا لمعرفه مين هو فرعون الخروج الذي ذكر في الكتب المقدسة.. هل هو من الهكسوس او من قدماء المصريين وسيكون لنا مقال في هذا الموضوع لأنه مهم).
 
نكمل باقي حكاية الهكسوس..
 راح أحمس مجمع جيشه تاني وطلع على النوبة وعزل حكامها الخونة اللي كانوا بيشكلوا خطر على مصر من الجنوب..
بعد تطهير مصر من المحتل قام " أحمس" بتطوير عقيدة جيش مصر من الدفاع إلى تأمين حدودها المجاورة، وده بعد تعرضها للهجوم من جيرانها زي ما حصل.. 
 
وفي عهده إتسعت الدولة المصرية من العراق لحدود ليبيا.. ومن تركيا للسودان وقام بتطوير البنية التحتية لمصر وأصلح قنوات الري، وعدل من قانون الضرائب لصالح الشعب، وأصبح الجيش المصري من وقتها أول جيش نظامي مدرب ومستعد للقتال.. واستكمل ما بدأه أبوه.. وأصبحت مصر بفضله (بعد ربنا) أكبر إمبراطورية في العالم في وقتها ولمئات السنين..
 
أنا خلصت، ودي كانت نبذة مُختصرة، مرضتش أسهب فيها وحاولت أبسطها قدر ما استطعت علشان تحكيها لأولادك وأصحابك للجزء المجهول للكثير من تاريخ مصر المهم ده..
 
هامش بسيط مهم تقرأه:
-الحاجة المهمة هي إن مصر مهما تعاقب عليها القهر والظلم والإحتلال، ومهما طال الوقت لكن ربنا مقدر لها تيجى يوم وتنهض، التاريخ علمنا كده..
لينا جزء رابع عن فرعون الخروج ... تحياتي.
 
المصادر:
- موسوعة سليم حسن: موسوعة مصر القديمة (الجزء الرابع): عهد الهكسوس وتأسيس الإمبراطورية.
- رواية اديبنا العالمي نجيب محفوظ "كفاح طيبة".